شرح آية (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين)
تفسير الآية (ومن يطع الله والرسول)
فيما يأتي بيان وتفسير الآية الكريمة:
- (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ)
يعني كل مَن يُلازم طاعة الله -تعالى- واتِّباع هدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ في أداء الفرائض والسنن المذكورة في القرآن والسنة،وقد جعل الله مِن طاعة "المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مفتاحَ الوصول إلى مقامات النبيين، والصديقين والشهداء، على الوجه الذي يصحُّ للأُمة، وكفى له -عليه السلام- بذلك شرفاً".
- (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ)
يعني أنَّه سوف يستمتع برؤية النبيين وزيارتهم، وحضور مجالسهم، واللقاءات معهم، وإن لم يكن في مرتبتهم ذاتها.
- (وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ)
الصديقون هم "أفاضل صحابة الأنبياء؛ الذين تقدموا في تصديقهم -ك أبي بكر الصديق رضي الله عنه-، وصدقوا في أقوالهم وأفعالهم"، ولفظ (الشُّهَدَاءِ) في هذه الآية يعمُّ الشهداء المقتولين في سبيل الله، والصالحين هم: "مَن صلحت أحوالهم، وحسُنت أعمالهم".
- (وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
الجملة فيها معنى التعجب؛ كأنه قال: "وما أحسن أولئك رفيقاً؟"، يعني يرافقهم ويصاحبهم في الجنة.
أسباب نزول الآية
قال -تعالى- في سورة النساء: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، وقد ذكر الواحدي في كتابه "أسباب النزول" أربعة أسباب نزول للآية، جميعها متوافقة، ويؤيد بعضها بعضاً؛ لذا حكم عليها محقق الكتاب بالصحة، وهي كما يأتي:
سبب النزول الأول
قال الكلبي: نزلت في ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وكان شديد الحب له، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه، ونحل جسمه، يُعرف في وجهه الحزن، فقال له رسول الله: "يا ثوبان ما غيَّر لونك؟"، فقال: "يا رسول الله، ما بي مِن ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك".
"ثم ذكرت الآخرة، وأخاف أنْ لا أراك هناك؛ لأني أعرف أنك تُرفع مع النبيين، وأني -وإن دخلت الجنة- كنتُ في منزلة أدنى مِن منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أنْ لا أركَ أبداً"، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سبب النزول الثاني والثالث
عن مسروق، قال: قال أصحاب رسول الله: "ما ينبغي لنا أنْ نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رُفعت فوقنا"، فأنزل الله -تعالى- الآية، وعن قتادة أنه قال: "ذكِر لنا أنَّ رجلاً قال: يا نبي الله، أراك في الدنيا، فأمَّا في الآخرة فإنك تُرفع عنَّا بفضلك، فلا نراك"، فأنزل الله -تعالى- هذه الآية.
سبب النزول الرابع
عن عائشة، قالت: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي وأهلي وولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أنْ لا أراك"، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً حتى نزل جبريل -عليه السلام- بهذه الآية.