شرح آية (إذ أوى الفتية إلى الكهف)
شرح الآية الكريمة عند القرطبي
يشير القرطبي أن الفتية في قوله -تعالى-: (إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ)، هم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس، وأن ملكاً من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم، وكان بعد زمن عيسى -عليه السلام-، وأمر أهلها بعبادة الأصنام.
وكان بها سبعة أشخاص يعبدون الله سراً، فرُفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلاً، ومروا براعٍ معه كلب فتبعهم، فذهبوا إلى كهف وانشغلوا بالدعاء و اللجوء إلى الله -تعالى-.
وتبعهم الملك إلى فم الغار، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئاً، فأمر الملك أن يسدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعاً وعطشاً، وهذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوفاً من الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة.
وقد خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فاراً بدينه وكذلك أصحابه، فهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين.
شرح الآية الكريمة عند البغوي
عظمت في أهل الإنجيل الخطايا، وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام، وكان فيهم بقايا على دين المسيح متمسكين ب عبادة الله وتوحيده، وكان من الملوك الذين عبدوا الأصنام ملك من الروم يقال له دقيانوس، وكان يقتل كل من يخالفه بعبادة الأصنام.
وكان هنالك فتية يعبدون الله سراً، فلما وصل خبرهم إلى الملك بعث إليهم فأتى بهم، وأعطاهم أجلاً ليتراجعوا عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام، وانطلق دقيانوس إلى مدينة سوى مدينتهم قريباً منهم لبعض أموره.
ولما رأى الفتية خروجه، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكرهم وأن يعذبهم، ائتمروا بينهم أن يأخذ كل رجلٍ منهم نفقة من بيت أبيه، فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي، ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له بخلوس؛ ليمكثوا فيه ويعبدوا الله، فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام و التسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله، فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فالتمسهم فلم يجدهم.
وعلم الملك بمكانهم، فتبعهم إلى الكهف ولم يجدهم، فأمر دقيانوس بالكهف أن يُسد عليهم، وقال: دعوهم كما هم في الكهف يموتون جوعاً وعطشاً ويكون الكهف قبراً لهم.
شرح الآية الكريمة عند السعدي
في قوله -تعالى-: (إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ)، يخبر -تعالى- عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه، فهربوا منه إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم، فانشغلوا بالدعاء حين دخلوا الكهف سائلين من الله -تعالى- رحمته ولطفه بهم، وأن يهب لهم من عنده رحمةً تسترهم عن قومهم، وأن يجعل عاقبتهم رشداً، وكانوا غير متكلين على أنفسهم وعلى الخلق، فلذلك استجاب الله دعاءهم.