سفيان بن عيينة
سفيان بن عيينة
سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم، وكنيته: أبو محمد الهلالي، ولد في الكوفة سنة سبع ومائة، كان أبوه من ولاة الكوفة في أثناء حكم خالد بن عبد الله القسري على العراق، ولما تولى يوسف بن عمر الثقفي، بعد عزل خالد، رحل أبو سفيان إلى مكة المكرمة، فنشأ سفيان رحمه الله في مكة.
ولما بلغ سن الخامسة عشر قال له أبوه: " سفيان قد انقطعت عنك شرائع الصبا فاحتفظ من الخير تكن من أهله، ولا يغرنك من اغتر بالله فمدحك بما يعلم الله خلافه منك فإنه ما من أحد يقول في أحد من الخير إذا رضي إلا وهو يقول فيه من الشر مثل ذلك إذا سخط فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء لا تنقل أحسن ظني بك إلى غير ذلك، ولن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم".
وكان سفيان -رحمه الله- يقول: " فجعلت وصية أبي قبلة أميل معها ولا أميل عنها"، فأصبح إماماً ولُقب بحافظ العصر وشيخ الإسلام.
مناقب سفيان بن عيينة
كان -رحمه الله-، أميناً، زاهداً، عابداً، اشتهر ب الزهد والعلم والتواضع، كان يقول -رحمه الله-: "إذا كان نهاري نهار سفيه، وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟"، وكان ينبذ أهل البدع، ويدعو لمكارم الأخلاق والورع والبعد عن السلطان، عُرف بحسن منطقه، قال عبد الرزاق: "ما رأيت بعد ابن جريج مثل ابن عيينة في حسن المنطق"، وعُرف أيضاً بقوة حفظه وإتقانه.
وقال رحمه الله: "ما كتبت شيئاً إلا حفظته قبل أن أكتبه" انتهى إليه علو الإسناد في الحديث، كان ثبتاً في الحديث، وحدث نحواً من سبعة آلاف حديث، فكان إمام مكة في الحديث لأربعين سنة، وكان طلاب العلم يرحلون إليه من كل البلاد لما عٌرف عنه من الإجادة والإتقان وطلباً لعلو الإسناد.
نشأته العلمية
طلب علم الحديث وهو غلام، لقي -رحمه الله- ستة وثمانين رجلاً من أعلام التابعين، وسمع الحديث وحفظه من أئمة التابعين ومنهم: عمرو بن دينار، وزيد ابن علاقة، وابن شهاب الزهري، وعبيد الله ابن أبي يزيد، وعبد الملك بن عمير، والشيباني، وسليمان التيمي، وأيوب السختياني، وداود بن أبي هند، -رحمهم الله-، وانفرد بالرواية عن كبار التابعين.
نقل عنه الحديث كثير ممن عاصروه ومن بعدهم، ك الشافعي ، وأحمد ابن حنبل، وابن المبارك، ووكيع، وابن المديني، وإبراهيم الرمادي -رحمهم الله-، قال عنه الشافعي -رحمه الله-: " لولا مالك وسفيان ابن عيينة لذهب علم الحجاز".
وجمع سفيان -رحمه الله- أحاديث أهل العراق والحجاز، فتفوق على الإمام مالك-رحمه الله- في نقله لأحاديث الأحكام، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "أصول الأحكام نيف وخمسمائة حديث، كلها عند مالك إلا ثلاثين حديثا، وكلها عند ابن عيينة إلا ستة أحاديث"، فمالك وسفيان -رحمهما الله- نظيران في الإتقان إلا أن مالكاً يفوقه في علو الإسناد.
كُتب عنه الحديث سنة اثنتين وأربعين ومئة، وهو في الخامسة والثلاثين من عُمره. وقال عنه الإمام البخاري: "ابن عيينة أحفظ من حماد ابن زيد"، وقال يحيى بن آدم: "ما رأيت أحداً يختبر الحديث إلا ويخطئ إلا سفيان بن عيينة".، وكان عالماً بتفسير القرآن، والحديث، وقيل أنه فيهما أعلم من سفيان الثوري.
من أقوال ابن عيينة -رحمه الله-:
عُرف سفيان ابن عيينة، بعقله الراجح وكلامه الرصين وحسن منطقه، قال عبد الرزاق ما رأيت بعد ابن جريج مثل ابن عيينة في حسن المنطق، أحب الناس مواعظه وحكمه وتناقلوها على الألسنة وسطروها في الكتب، فكان يعظ الناس بعبارات وجيزة، ومن أقواله:
- من لم تمنعه البلوى من اأحبر والنعمة من الشكر فذلك الزاهد.
- ليس العالم الذي يعرف الخير والشر، إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه.
- الغيبة أشد من الدَين، الدَين يقضى والغيبة لا تقضى.
- لا تكن مثل العبد السوء لا يأتي حتى يدعى، ائت الصلاة قبل النداء.
- إن للدنيا أجلاً كأجل ابن آدم، إذا جاء أجلها ماتت.
- أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.
- اسلكوا سبل الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهلها.
وفاة سفيان بن عيينة -رحمه الله-
عاش -رحمه الله- إحدى وتسعين سنة، وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين ومئة، وقيل أنه رأى في المنام أن أسنانه تتساقط، فلما قص رؤياه على الزهري ، قال له يموت من في سنك من أصحابك، وتبقى أنت، قال: "فماتوا جميعاً وبقيت أنا، فأصبح كل عدو لي محدثا"،