سعيد عبد السلام سحنون
من هو سعيد عبد السلام سحنون؟
سعيد عبد السلام سحنون هو من أشهر فقهاء المالكية في المغرب العربي، واسمه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي القيرواني، يعود أصله إلى مدينة حمص في بلاد الشام ، ولد في مدينة القيروان عام 160هـ، عرف عنه الكثير من الخصال الحميدة والفضائل، وهو فقيه زاهد ورع، وإمام جليل، ولُقب بالإمام سحنون، ويروي البعض أن سحنون هو طائر في المغرب يمتاز بحدة النظر.
يقال أن سحنون كان كريم النفس لا يقبل المال من السلطان، كما أنه كان رقيق القلب، متواضعًا كريم الخلق، حسن الأدب، غزير الدمع، لا يحمل في نفسه الكره أو البغض، وكان شديد على أهل البدع من مختلف الطوائف والأجناس، لا يخافهم أو يهابهم، حتى سلمت الإمامة له، بإجماع الناس.
قال فيه أبو زيد بن أبي الغمر (لم يقدم علينا أفقه من سحنون) وهذه إشارة واضحة إلى ما كان يتمتع به هذا العالم الجليل من علم واسع وفقه كبير، كما قال يونس بن عبد الأعلى، فيه (أنه سيد أهل المغرب).
نشأة سعيد عبد السلام سحنون وطلبه للعلم
نشأ سحنون في مدينة القيروان، وفيها أخذ العلم والمعرفة عن شيوخها وفقائها ومنهم: أبي خارجة، وبهلول وعلي بن زياد وابن حسان وابن غانم، وغيرهم، كما وارتحل طلبًا للعلم عام 188هـ، فزار مصر، حيث أدرك الإمام مالك، وكذلك وصل إلى الحجاز، وعرف عنه حبه وحفظه للعلم، وتفقه في الدين، والورع والزهد في الحياة.
بعد أن أنهى رحلته في طلب العلم عاد سحنون إلى مدينة القيروان عام 191هـ، وبدأ على نشر أصول فقه مذهب الإمام مالك الذي يبدو أنه لم يكن معروف في ذلك الوقت في إفريقيا، حتى بات من أشهر المذاهب الفقهية فيها وفي بلاد الأندلس ، من ثم تولى مهمة القضاء سنة 234هـ الموافق 848م، وظل يعمل فيها حتى توفي.
تجدر الإشارة إلى أنه يعود الفضل لسعيد عبد السلام سحنون في التأسيس لمبادئ الفقه المدني وترسيخه في المغرب وإفريقيا، كما يعد واضع ومؤسس الفقه المالكي فيها، وبسبب سعة علمه ورجاحة عقله واستقلال فكره.
بدأ طلاب العلم يتوافدون عليه لحضور حلقاته الدراسية سواء من المغرب أو من باقي البلدان، وهو الأمر الذي خلق أكبر حلقات العلم التي عرفها التاريخ لمعلم ما، حيث قيل أنها كانت تبلغ ما يقارب الأربعمائة طالب.
أعمال سعيد عبد السلام سحنون
بسبب ما ناله سحنون من شهرة فاقت الأفاق، ووصلت إلى أبعد بلاد العالم، قرر الأمير الأغلبي عام 234هـ إسناد مهمة القضاء إليه في البلاد، وقد أظهر سحنون مقدرة متميزة في القضاء بين الناس، كما تولى وضع العديد من الأسس والمبادئ لعمل المؤسسات الشرعية في البلاد، ولعل من أهمها:
- دستور خاص بأحكام وقواعد السوق وهي وظيفة الحسبة.
- نظام خاص بالقضاة، وشهادة الشهود.
- نظام خاص بالتعليم الابتدائي.
- نظام خاص بتعين أئمة المساجد والخطباء.
آثار سعيد عبد السلام سحنون
عاش هذا العالم الجليل والفقيه الكبير لنشر العلم والمعرفة، وقد ترك العديد من الآثار والمؤلفات المهمة منها المدونة الكبرى، وهي عبارة عن مدونة جمع فيها الكثير من مسائل الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس .
وله مقولات خالدة في التاريخ، ما يزال لغاية الآن يرددها الناس في مدينة القيروان، خاصة عندما يتوفى لديهم شخص ويرغبون في الإعلان عن وفاته وموعد دفنه، حيث يرددون هؤلاء النباه ذات الكلمات التي وضعها الإمام سحنون وهي تقول:
سبحان من لا ينقضي دوامه
سبحان من هذه أحكامه
سبحان من عنده مفاتح الغيب وهو علامة
يا ذوي العقول والألباب
والفضل والآداب
وخير أمة أنزل علي نبيها الكتاب
من أراد منكم الأجر والثواب
فليحضر الصلاة على (فلان) ابن المنعم المرحوم (فلان)
يصلي عليه عند (صلاة العصر مثلا)
الموت سبيل لا بد منه سبحان الحي الدائم الباقي بعد فناء خلقه
مقبور بحومة (كذا) قرب (المكان الفلاني)
الله يثيبكم
الله يأجركم
الله يرحم الوالدين
وفاة الفقيه والعالم سعيد عبد السلام سحنون
توفي سحنون في شهر رجب عام 240هـ، في مدينة القيروان، ودفن فيها، وللإمام ضريح مشهور في هذه المدينة ما يزال موجودًا لغاية الآن، حيث يزوره أهل المدينة وفاءً منهم لأهل العلم ويطلق عليه العامة من الناس قبر سيدي سحنون.