سر الله تعالى في خلقه
سر الله في خلقه
قال الإمام الطحاوي في رسالته في العقيدة إنَّ أصل القدر هو سر الله تعالى في خلقه، ذلك أنَّ الله تعالى لم يطلع على القدر ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، وإنما اختص ذاته العليَّة بعلمه، فلا ينبغي التعمق في موضوع القدر، لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- قد طوى علمه عن الخلائق، ونهاهم عن مرامه والبحث فيه، قال تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ).
معنى القدر
يوجد للقدر تعاريف عدة؛ ف القدر لغة هو من قدَّر الشيء، يقدره تقديراً، والإحاطة بمقادير الأمور، وأما في الاصطلاح فيعرف القدر على أنه "علم الله تعالى بالأشياء وكِتابته لها قبل كونها، على ما هي عليه، ووجودها على ما سبَق به عِلمُه، وكتابته بمشيئته وخلقه".
وأما الإيمان بالقدر فيعرف على أنه التصديق الجازم الذي لا شك فيه بأن كل ما يقع من خير أو شر هو بقدر الله -سبحانه وتعالى- وقضائه، وأن كل ما يحدث يقع ضمن إرادة الله تعالى ومشيئته؛ فلا يحدث من الأمور أي شيء إلا بتقدير الله -تبارك وتعالى- وتدبيره وإراداته، ولا يستطيع أي كائن الخروج عن هذه الإرادة أو السير خارج القدر المحدد له.
كما يفيد الإيمان بالقدر التصديق بأن كل أمر -خيراً كان أم شراً- محفوظ ومسجل في اللوح المحفوظ منذ الأزل، وأن أفعال العباد مقدرة ومع ذلك فقد منحوا الإرادة ولم يتم إجبارهم على الإقدام على الطاعة أو الإحجام عن المعصية، بل أمرهم الله تعالى ونهاهم وترك لهم حرية الاختيار دون جبر أو قهر، وأن الله -عز وجل- يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه -تبارك وتعالى- لا يُسأل عما يفعل بل عباده من يُسألون.
وجوب الإيمان بالقدر
يعد الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي يجب على المسلم التصديق بها تصديقاً جازماً لا ريب فيه، وقد جاء هذا الركن في حديث جبريل -عليه السلام- مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما سأله عن الإيمان بالله ليجيب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكِتابِهِ، ولِقائِهِ، ورُسُلِهِ، وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ كُلِّهِ).
مراتب القدر
مراتب الإيمان بالقدر أربعة، وهي على النحو الآتي:
- مرتبة العلم
وهي الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء، وقد أحاط بكل شيء علماً، فهو عالم بخلقه جميعاً، وهو عالم بكل ما سيصدر منهم من أفعال، ودليل هذه المرتبة قوله تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
- مرتبة الكتابة
هذه المرتبة تعني أن يؤمن المسلم أنَّ الله تعالى قد كتب كل ما هو كائن في اللوح المحفوظ، ودليل هذه المرتبة قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
- مرتبة الإرادة والمشيئة
هي أن كل ما يحصل في الكون إنما يكون بإرادة الله ومشيئته، ودليل هذه المرتبة قوله تعالى: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
- مرتبة الخلق
هي الإيمان بأنَّ الله تعالى قد خلق كل شيء؛ فهو الذي خلق العباد، وهو الذي يخلق أفعالهم، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون)، وقوله في الآية الأخرى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا).