زكريا عليه السلام
أنبياء الله
لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله معجزات تختلف عن معجزات باقي الأنبياء ؛ فموسى -عليه السّلام- أيّده الله -عزّ وجلّ- بالعصا التي تتحوّل إلى حيّة، وعيسى -عليه السّلام- كانت معجزاته تتمثّل بإحياء الموتى ، وإبراء المَرضى، وإبصار الأعمى بإذن الله تعالى، وقد ميّز الله -سبحانه وتعالى- نبيّه محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- بالكثير من المعجزات، فكان أعظمها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل، ولا يرِد إليه احتمال النقص أو الخلل، ولا يرِد إليه تحريف، كما كان من معجزاته نبع الماء من بين أصابعه، وتكثيره للطعام القليل، وغير ذلك من المعجزات.
ونبيّ الله زكريا -عليه السّلام- مثله كمثل أنبياء الله -تعالى- إنّما هم بشر؛ فلهم من النّسب ما لهم، وقد مارسوا المِهَن واجتهدوا في ذلك، وله العديد من الاصطفاءات والبشائر، فقد قال الله -تعالى- فيه: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا*قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا*قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)، فمن هو نبي الله زكريا عليه السّلام، وبمَ اصطفاه عن سائر البشر؟
نَسَب زكريا عليه السّلام
اختلف العلماء في اسم نبي الله زكريا عليه السّلام؛ فكان لهم أكثر من قول، فمنهم من قال إنّ اسمه هو: زكريا بن حنّا بن مسلم بن صدوق بن محمان بن داود بن سليمان بن مسْلم بن صديقة بن برحية بن ملقاطية بن ناحور بن سلوم بن بهفانيا بن حاش بن أني بن خثعم بن سليمان بن داود، وقيل: اسمه هو زكريا بن دان، وفي قول آخر قيل إنّ اسمه هو: زكريا بن أدن، وعلى ذلك فإنّ نَسَبه يتّصل بنبيّ الله داود عليه السّلام، وزكريا هو والد نبي الله يحيى عليه السّلام، وهو من بني إسرائيل ، وقد وردت في اسمه روايات غير ما ذُكِر، فقيل إنّه: زكرياء، وقيل إنّه: زكريّ.
عمل زكريا عليه السّلام
كان نبيُّ الله زكريا -عليه السّلام- يعمل بالنِّجارة، فقد رُوِي في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كان زكرياءُ نجّاراً)، وهذا يدلّ على أفضليّة العمل والتّكسُّب، وعدم الرُّكون للراحة؛ حيث كان جميع أنبياء الله -عليهم السّلام- يعملون ويكِدّون، وثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يدعو للعمل، والتّكسب، وطلب الرزق ، بعيداً عن التذلّل للآخرين والبقاء تحت إمرَتِهم.
زكريا عليه السّلام ومريم
ذهب زكريا -عليه السّلام- إلى معبده ذات مرّةٍ، فوجد مريم -عليها السّلام- تعكف على العبادة، وتدعو ربّها وتتذلّل له، وقد رأى عندها فاكهةً لم يكن وقتها، فقد كانت من فاكهة الصّيف، والوقت وقت شتاء لا صيف، فسألها زكريا -عليه السّلام- عن ذلك، فأجابت بفطرةٍ سليمةٍ بأنّه من عند الله تعالى، وقد قصَّ القرآن الكريم تلك الحادثة بشيءٍ من التفصيل، حيث قال الله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، بعد ذلك أدرك أنّ الله -سبحانه وتعالى- الذي رزق مريم -عليها السّلام- بذلك قادر على أن يرزقه الذريّة الصالحة، رغم كِبَر سِنّه، وعقم امرأته.
دعاء زكريا عليه السّلام
جاء ذكر بعض سيرة نبيّ الله زكريا -عليه السّلام- في القرآن الكريم ، وتحديداً ما حصل له عندما دعا الله -تعالى- بعد أن تقدّم به العُمر وامتلأ رأسه بالشيب، كما تقدّم بزوجته السِّن، فدعا ربّه بأن يرزقه الذريّة الصالحة، ليكون لقومه من بعده من يردعهم عن ظلمهم وفسادهم، ويدعوهم لعبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له، قال الله -تعالى- على لسان نبيه زكريا عليه السّلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا*وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا*يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)، يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآيات: (وجه خوفه أنّه خشي أن يتصرّفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل الله ولداً، يكون نبيّاً من بعده؛ ليسوسَهم بنبوّته وما يوحَى إليه، فأُجِيب في ذلك، لا أنّه خشي من وراثتهم له ماله، فإنّ النبيّ أعظم منزلةً، وأجلّ قدراً من أن يُشفِق على ماله إلى ما هذا حده، أن يأنف من وراثة عصباته له).
وقد توجّه زكريا -عليه السّلام- بالدعاء إلى الله -تعالى- وسأله الذريّة بقوله: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، فاستجاب له الله تعالى، فقال الله -تعالى- تعقيباً على دعوته: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، وأصلح الله -تعالى- له زوجته لتصبح قادرةً على الإنجاب، وجعل ابنه يحيى -عليه السّلام- نبياً، ولم يُسَمَّ بهذا الاسم أحد قبله، فقال الله تعالى: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)، فأمْرُ الله -تعالى- إذا جاء لا مردَّ له.