زكاة المال في الإسلام
تعريف الزكاة
تُعرّف الزكاة في اللُغة: بالنموّ والزيادة، فيُقالُ زكا الشيء؛ أي نما وزاد، وقد تُطلق بمعنى الطهارة، كما في قول الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)، أي من طهّرها مِنَ الذُّنوب والأدناس، وسُمّيت الزكاة بِهذا الاسم لأنّها تُطهّر صاحبها، وتقيه من الآفات، لِقوله -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)، وأمّا في الاصطلاح: فهي حقٌّ مُحدّدٌ يجبُ في أموالٍ مخصوصة، بِشروطٍ مخصوصة، لأصنافٍ مخصوصة، في أوقاتٍ مخصوصة.
حكم الزكاة
تُعدُّ الزكاة الرُّكن الثالث مِن أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة ، وثبت وُجوبها في الكِتابِ والسُّنة، والإجماع، فمِنَ القرآن الكريم قول الله -سبحانه وتعالى-: (وَآَتُوا الزَّكَاةَ)، وأمّا مِنَ السُّنة فجزء من حديث النبيّ -عليه أفضل الصلاة والسلام-: (فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ)، وأمّا الإجماع، فقد انعقد إجماع المُسلمين في جميعِ العُصور على وُجوب الزكاة إذا توفّرت شُروطها، وأيضاً إجماع الصحابة الكِرام على قِتال مانعيها.
ولمانع الزكاة العِقاب في الدُّنيا والآخرة، وقد دلّ على عقابه في الآخرة قول الله -تعالى-: (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ* يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هـذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ)، وفرضها الله -سبحانه وتعالى- في شهر شوال مِنَ السنة الثانيّة مِن الهِجرة، وهي غيرُ واجبةٍ على الأنبياء؛ لأن الله -تعالى- فرضها للطهارة مِن الدّنس والذُّنوب، والأنبياء مُبرّؤون من ذلك، وما في أيديهم من المال هو ليس ملكهم، بل هو ودائع لله -سبحانه وتعالى- عندهم.
شروط وجوب زكاة المال
إنّ لِوجوب الزكاة في المال العديد مِنَ الشُروط ، وهي فيما يأتي:
- الحُريّة، فالزكاة لا تجب على العبد؛ لِعدم مِلكه، لِقول النبيّ -عليه أفضل الصلاة والسلام-: (ومَنِ ابْتاعَ عَبْدًا فَمالُهُ لِلَّذِي باعَهُ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ)، ويرى جُمهور الفقهاء وجوبها على سيّده؛ لأنّهُ مالِكٌ له، كما أنّها لا تجبُ على المُكاتب؛ لأنّه في حُكمِ العبد من حيث عدم مِلكهِ لِلمال.
- الإسلام؛ فلا تجبُ الزكاةُ على غير المسلم بإجماعِ الفُقهاء؛ أي لا تُقبل منه، لِقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)، ولكنّه مُحاسبٌ عليها في الآخِرة، وأمّا المُرتد فلا تسقط عنه في حال كانت ردّته بعد وُجوب الزكاة عليه، وهذا عند الشافعيّة والحنابلة، ويرى الحنفيّة سُقوطها عنه بالردّة.
- العَقِل والبُلوغ، ذهب الحنفيّة إلى عدم وُجوب الزكاة في مال الصبيّ والمجنون مُطلقاً أو في بعض أموالهما؛ لأنّ الزكاة مِنَ العِبادات التي تحتاجُ إلى نية، وكليهما مُفتقِرٌ إليها، كما أنّ التكليف قد سقط عنهُما، وذهب الجُمهور إلى وجوب الزكاة عليهما في جميعِ الأموال، وهو قول عُمر، وابنه عبدُ الله، وعائشة -رضي الله عنهم-، وعدد مِنَ الصحابة الكِرام؛ لأنّ المقصود من أداء الزكاة شُكر الله -سبحانه وتعالى-، وتطهير المال، كما أنّ أموالهما لا تخلو مِنَ النفقات فلا تضيق عن الزكاة، ويتولّى وليّهما إخراج الزكاة عنهما.
- بُلوغ النِصاب ، وهو القدر المُحدّد مِن قِبل الشرع في وُجوب الزكاة عند بُلوغه، وأيّ مِقدارٍ أقل منه فلا تجبُ فيه الزكاة، ويجب أن يكون مِن الأصناف الواجبةِ فيها الزكاة، وسيأتي بيانُ كلّ منهم في الفقرات اللاحقة مِن المقال.
- المِلك التام، والقدرة على التصرّف في المال؛ لأنّ الزكاة هي تمليك المال للمستحقّين له، والتمليك فرعٌ عن المِلك، وقد دلّ على هذا الشرط العديد مِنّ الآيات، كقول الله -تعالى-: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ)؛ فقد أضاف الله -سبحانه وتعالى- المال إلى صاحبه.
- النّماء؛ وذلك بأن يكون المال نامياً، مثل الذهب والفضة وعروض التجارة.
- حولان الحول، وهو مُضيّ عامٍ قمريّ على بُلوغِ المال النِّصاب، وهذا الشّرط في غيرِ الزُّروع، وذهب الحنفيّة إلى بُلوغِ النِّصاب في طرفي الحول، ولا يضرّ إن نقص خلال الحول، وأمّا الشافعيّة فيَرون بُلوغ النِّصاب في جميعِ الحول، وإذا نقص خلاله فلا تجبُ فيه الزكاة، وأمّا المالكيّة والحنابلة فيشترطون الحول في الأعيان، وهي: الذهب والفضة والأنعام وعُروض التِّجارة، ولا تجبُ في غير ذلك، وأضاف الحنابلة اعتبار النِّصاب في جميع الحول.
- الخُلوّ مِنَ الدَّين، وهو شرطٌ عند الحنفيّة في غير الزُّروع، وأمّا عند الحنابلة فهو شرطٌ في جميع الأموال ، وأمّا المالكيّة فيرون اشتراطه في الأعيانِ فقط، وأمّا الشافعيّة فلم يشترطوا ذلك.
- الزيادة عن الحاجات الأساسيّة، وهي التي يدفعُ بها الإنسانُ الهلاكَ عن نفسه، كالنفقة والسكن وغير ذلك.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
أوجب الله -عزّ وجلّ- الزكاة في أصنافٍ عديدةٍ، وهي فيما يأتي:
- النقدان، وهُما الذهب والفضة، وتجب الزكاة في هذه النقود سواء كانت سبائك أو مضروبة، أو على شكلِ آنية، ونِصاب الذهب عشرون مثقالاً، وأمّا الفضة فهو مئتا درهم، وتجب الزكاة بِمقدار رُبع العُشر؛ أي 2.50%، وذهب الحنفيّة إلى أنّ العبرة فيهما للغالب، فإذا كان الغالب عليهما الغش فهما في حُكم عُروض التِّجارة، واعتبر المالكيّة العبرة في رواجه واستعماله، وذهب الشافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا شيء في المغشوش بل تجب الزكاة فيما كان صافياً منه، وأمّا ما كان مُتخذاً للحُليّ؛ فقد ذهب الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة فيه، ويرى الحنابلة وجوب الزكاة في الحُلي المُتّخذ للتِجارة، وأوجب الحنفيّة الزكاة في حُليّ المرأة من الذهب أو الفضة.
- زكاة الزُّروع والثِمار ، وممّا يدلُ على وجُوب الزكاة فيها قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)، وتجبُ الزكاةُ في كُل ثمرٍ أو حبٍّ يُكالُ أويُدخر؛ كالقمح والزبيب، وغيرهما، بِشرطِ بُلوغهِ النِّصاب، وممّا لا تجب الزكاة فيه من هذه الأنواع: الفواكه كالتُّفاح، والخُضراوات كالبطاطا، والقُطن، والعُشب، والعسل، وما يخرُج مِن البحر كالأسماك، ولكن إن كانت مُعدّةً لِلتِّجارة فإنّها تُزكّى كعروض التِّجارة، ويُشترط لإخراج الزكاة فيها أن تكون ممّا يُكالُ أو يُدخر، وأن تبلغ النّصاب وهو خمسة أوسق، وأن يكون النّصاب مملوكاً وقت وجوب الزكاة.
- عُروض التِّجارة، وهي كُلُّ ما يعدُّهُ صاحبه لأجل التِّجارةِ والرِبح، وتجب الزكاة فيها عند بُلوغ النِّصاب، وحولان الحول، ويُقوّمها صاحبها إمّا بالذهب أو الفضة، ويُخرجُ منه رُبع العُشر من كامل القيمة، ويجوز له أن يُخرِجُها من نفس العُروض، وإن كان الشيء مُعدّاً للإجار فالزكاة تكون على الأُجرة وليس على الشيء المُؤجّر، وإن كانت العُروض في الحُبوب والثِّمار فتُزكّى زكاة الحُبوب، وكُلُّ شيءٍ بِحسب صنفه، وأمّا الشركات الصناعية كالأدوية والحديد وغيرها؛ فإنّ الزكاة تجب في صافي الأرباح بِمقدار رُبع العُشر، والشركات التِّجاريّة؛ كالاستيراد والتصدير وغيرها، فتجبُ فيها الزكاة كعُروض التِّجارة في رأس المال وصافي الأرباح بِمقدار رُبع العُشر، وأمّا الأسهُم؛ فإن كان المقصودُ منها الاستمرار في التملّك، فتجبُ الزكاة فيها على الأرباح فقط، وإن كانت بِقصد المُتاجرة وطلب الرّبح، فتجبُ الزكاةُ في جميع ما يملِكُهُ من أسهُم وأرباح، وزكاتها كزكاة عُروض التِّجارة بِمقدار رُبع العُشر.
- الأوراق النقديّة، وهي تُعامل مُعاملة النقدين؛ لأنّها تُعتبرُ نقداً قائمٌ بِذاته، وتجبُ الزكاةُ فيها عند بُلوغها نِصاب أحد النقدين، وعند حولان الحول عليها، وتجبُ الزكاةُ فيها سواء كانت لِلتِّجارة أو غيرها، لِقول الله -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وفي حال أراد صاحِبُها إخراجُ زكاته بِقيمة الذهب، فإنّه يقوم بِضرب نِصاب الذهب -وهو 85 غرام- بسعر الغرام الواحد، والناتج هو نِصاب الأوراق النقديّة، ويُخرجُ منها رُبع العُشر، أو يقومُ بتقسيم المبلغ الموجود معه على العدد أربعين، والناتج هو المقدار الواجب في الزّكاة، أو يقوم بتقسيمِ المال على العدد عشرة، ثم يُقسّم الناتج على العدد أربعة، والناتج هو ربع العشر ومقدار الزكاة الواجبة، وأمّا زكاة الراتب الشهريّ ، فالأفضل للإنسان إن وفّر منه شيئاً أن يُخرج زكاة ما يملكه من النُّقود عند حولان الحول على أول نصاب ملكه منها.
- الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم، وتجبُ الزكاة فيها إذا كانت سائمة خلال الحول أو أكثره، وإذا بلغت النِّصاب، ويُخرجُ كُل مِنها بِحَسبِ جنسه، وتُؤدّى من أوسطها، فلا تكون من أفضلها ولا من شِرارها، وأمّا إن كانت مُعدّةً لِلتِّجارة؛ فتُزكّى كعُروض التِّجارة، وأمّا إن كانت للدرّ والنّسل ويقوم صاحبها بعلفها فلا تُزكّى، وأقلُ نِصاب الإبل خمسة، والبقر ثلاثون، والغنم أربعون.
- المعادن، وهي كُلُّ ما يُخرجُ من الأرض ممّا له قيمة؛ كالياقوت، والذهب، والفضة، وغيرها، وتُخرجُ زكاته بعد تصفيته وسبكه، وزكاته ربع العشر إذا بلغ النّصاب، وذهب الجُمهور إلى عدم اشتراطِ الحولِ فيه.
- الرِّكاز، وهو دفائن الجاهليّة، ويجبُ فيه الخمس، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولا يُشترط له نصاب ولا حول، ويوزّع كالفيء، والباقي لِواجِده.
أصناف أهل الزكاة
فَرض الله -عزّ وجلّ- الزكاة لِثمانية أصناف ، وهم فيما يأتي:
- الفُقراء: وهم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية عائلتهم، ويختلفُ الفقر بِحسب الزمان والمكان؛ لأنّ الغلاء يختلف باختلافِهِما.
- المساكين: وهم الذين يجدون نصف كفايتهم أو أكثرها، ولفظ الفقير إن أُفرد فإنّه يشمل المسكين ، وكذلك العكس، وإذا اجتمعا كان لِكُلِّ واحدٍ منهُما معنى.
- العاملون عليها: وهم القائمون على جلبِ أو حِفظ أو توزيع أموال الزكاة، بشرطِ أن لا يكون لهم راتبٌ مِنَ الدولة، ويدخُلُ معهم كُلّ من يعمل في الزكاة.
- المؤلّفة قُلوبهم: وهم السادة المُطاعون في أقوامِهِم، وقد يكونون مُسلمينَ أو غير مسلمين، فالمُسلمين إن كانوا مِن ضِعاف الإيمان يُعطون ترغيباً وتثبيتاً لهم، وقد يُعطون لترغيب نظرائهم من غير المسلمين ليُسلموا، وأمّا غير المسلمين فقد يُعطون لترغيبهم في الإسلام، أو لكفّ شرّهم عن المسلمين، ويرى الحنفية والمالكية عدم إعطاءُ غير المسلم شيئاً مِنَ الزكاة لتأليف قلبه؛ لأنّ ذلك كان في بداية الإسلام.
- في الرِّقاب: وهُم الرقيق والعبيد والمُكاتبون، فيُعطون لِفكّ رِقابهم، ويدخُل في ذلك الأسير الذي يكون عند المُشركين، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّـهِ الَّذِي آتَاكُمْ).
- الغارمون: وهم أصحابُ الدُّيون -المدينون-، وقد يكونُ الغارمُ غارماً لِنفسه؛ فيُعطى من الزكاة بِشرطِ أن يكونَ مُسلماً، وعليه دين حالّ لا يستطيع سداده، وقد يكونُ غارماً لغيره؛ كمن استدان لأجل الضّمان، فيُعطى من الزكاة بِشرط إعساره، ومن كان غارماً لإصلاحِ ذاتِ البين، فيُعطى من الزكاة سواء كان فقيراً أو غنياً؛ وذلك تشجيعاً للخير والمعروف، وذهب المالكيّة إلى إعطاء الغارم بِشرط أن لا يكون الدَّين الذي عليه بِسبب المعاصي كشُرب الخمر والقمار.
- في سبيل الله: وهُم الغُزاةُ والمُجاهِدون، ويُعطون مِنَ الزكاة بِشرطِ عدم وُجودِ راتبٍ لهم، أو لهم راتبٌ لا يكفيهُم، ويُعطون ما يكفيهم للتجهّز للغزو، ويدخُلُ في ذلك الدُّعاة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والمُعلّمون لِكتابه، وطلبة العلم ، وكذلك الحاج الفقير؛ فيُعطى من الزكاة إذا كان فقيراً ليحجّ.
- ابن السبيل: وهو المُسافر الذي انقطع عن بلده وماله، وليس معه مالٌ يكفيه للوصول إليهما، ويَدخُل في هذا المصرف الشخص الذي يكونُ في بلده ويُريد السفر لأجل الطاعة أو المصلحة وليس معه مالٌ من أجل ذلك.
وممّا يؤكّد انحصارُ الزكاة في الأصنافِ السابقة قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
مقادير الزكاة
جعل الله -سبحانه وتعالى- مِقدار الزكاة وطريقة حسابها حسب التعب في الشيء؛ ففي الرِّكاز الخُمس، أي 20%؛ لأنّه يكونُ بلا تعب، وما كان فيه تعبٌ مِن جِهةٍ واحِدة ففيه العُشر، وهو نصف الخُمس، أي 10%، وهي الزُروع والثِمار التي تُسقى من غيرِ كُلفة، وما فيه تعبٌ مِن طرفين فيجبُ فيه نِصفُ العُشر، أي 5%، وهو ما فيه كُلفةٌ في البذر والسقيّ، وما يكثرُ فيه التعب طوال العام كالنُّقود والتِّجارة ففيه رُبع العُشر، أي 2.5%، وأمّا مقاديُرُها بالتفصيل، فهي كما يأتي:
- الأثمان، وهي الذهب والفضة والأوراق النقديّة، ومقدارُ الزكاة فيها رُبع العُشر عند بُلوغها النِّصاب وحولان الحول عليها.
- الأنعام: وهي الإبل، والبقر، والغنم، فَنِصاب الغنم أربعون شاة، ويُزكّى من 40-120 شاة، ومن 121-200 شاتان، ثُمّ في كُلِ مئةٍ شاة، وأمّا نِصابُ البقر فهو ثلاثون بقرة، ويُزكّى من 30-39 تبيع أو تبيعة؛ وهي التي أتمّت السنة من عُمرها، ومن 40-59 مُسنّة؛ وهي التي أتمّت السنتين من عُمرها، ثُمّ في كُلِّ ثلاثين تبيع، وفي كُلِّ أربعين مُسنة، وأمّا نِصابُ الإبل فيبدأ من العدد خمسة، ويُزكّى من 5-9 شاة، ثُمّ من 10-14 شاتان، ومن 15-19 ثلاث شياه، ومن 20-24 أربع شياه.
- ومن 25-35 ففيها بنت مخاض؛ وهي التي أتمّت السنة من عُمرها، ثُمّ من 36-45 ففيها بنت لبون؛ وهي التي أتمّت السنتين من عُمرها، ثُم من 46-60 ففيها حِقّة؛ وهي التي بلغت الثالثة من عُمرها، ثُمّ من 61-75 ففيها جذعة؛ وهي التي بلغت الرابعة من عُمرها، ومن 76-90 بنتا لبون، ومن 91-120 حِقّتان، ثُمّ في كُل أربعين يُضافُ بنت لبون، وفي كُلِ خمسين حِقّة، وتُؤخذ زكاة الأنعام من الإناث، ولا يجوز الذّكر إلا في البقر، أو إذا كان النِّصابُ كُلّه ذُكوراً.
- زكاة الخارج من الأرض، وتجب في كُلّ ما يُكالُ ويُدّخر عند بُلوغه النِّصاب، وهو بالأورزان المُعاصرة 624 كيلو غرام تقريباً، وتُضم الأنواع الواحدة إلى بعضها لِتكميل النِّصاب، كأنواع التمر مثلاً، والواجب في زكاة الحبوب والثمار العُشر إذا سُقي بِماءٍ من غير كُلفة؛ كمياه الأمطار، ونصف العُشر فيما يُسقى بِماءٍ فيه كُلفة؛ كمياه الآبار، وثلاثة أرباع العُشر إن كان نصف العام يُسقى بِكُلفة، والنصف الآخر من غير كُلفة، وتجب زكاة الثمر عند بُدوّ صلاحه، أمّا الفواكه والخُضروات فلا زكاة فيها إلا إذا أُعدّت للتّجارة.
- الركاز، وهو دفائن الأرض، ويجبُ فيه الخُمس.
- عُروض التِّجارة، وهي ما يُعدُّ لأجل التِّجارة، وتجبُ فيها الزكاة عند بُلوغها النِّصاب، وحولان الحول عليها، ويُخرج رُبع العُشر من كامل قيمتها.
حكمة مشروعية الزكاة
إنّ لِتشريع الزكاة العديد مِنَ الحِكَم، ومن هذه الحِكم ما يأتي:
- العُلوّ بالإنسان عن المال بحيث لا يكون عبداً له، فتُطهّر نفسه وتُزكّيها.
- البركة في المال، وزيادة الإيمان في قلب صاحبها؛ حيثُ إنّ الإنسان يُنفقُ من أحبّ الأشياءِ إليه وهو المال.
- تكفير الخطايا والذُّنوب، وسببٌ لدُخول الجنّة، والنّجاة من النّار.
- تقوية العلاقة بين الغنيّ والفقير، كما أنّها تُصفّي النّفس، وتشرح الصدر، وتنشر الأمن والمحبة بين أفراد المُجتمع ، وتقي من الآفات، وتسُدّ حاجات الفقراء، وتمنع الجرائم كالسرقات.
- صون المال وحفظه من أعين الآخرين وامتدادِ أيديهم إليه، وهي عون للفقراء والمحتاجين، وتُساعدهم على العيش الكريم.
- شُكر الله -عزّ وجلّ- على نِعمة المال.
- إقامة مصالح المُجتمع العامة، وتحقيق الحياة السعيدة للأُمّة.
فضل الزكاة
إنّ للزكاة الكثير من الفضائل، منها ما يأتي:
- إتمام الإسلام؛ حيثُ إنّها رُكنٌ من أركانه، وتتحقّق بها طاعة الله -سبحانه وتعالى-، وتدلُّ على صدق إسلامِ مُخرِجِها، وتُحقّق له الإيمان الكامل.
- استجلاب البركة والخير والزيادة، لِقول الله -تعالى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
- تحقيق النّجاة لِصاحبها من حرّ يوم القيامة، لِقول النبيّ -عليه أفضل الصلاة والسلام-: (كلُّ امرِئٍ في ظلِّ صَدقتِهِ، حتَّى يُفصَلَ بينَ النَّاسِ أو قالَ يُحكَمَ بينَ النَّاسِ)، وتُساعد صاحبها على معرفة حُدود الله -عز وجل-، والتفقّه في دينه.
- دفع العُقوبات، ونزول الخيرات، وتضاعف الأجر، لِقول الله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
- تحقيق وسائل التمكين والنصر، وشُهود الله -سبحانه وتعالى- لِصاحبها بالفلاح والهُدى والرحمة، وهي سببٌ للسّتر في الدُّنيا والآخرة.
- الترغيب في الإسلام لغير المُسلم، وتخفيف الدّيون عن الغارمين، وتُساعد على نشر الإسلام والدِّفاع عنه.