رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري
رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري
تَنَاقَل الرُّواة رِسالة عُمر بن الخطَّاب إِلى مُوسى الأَشعري عَنْ طَريق الحِفظ، مِما أدّىَ إلى الاختلاف في بَعض الألفاظ بَين الرُّواة حَتّى نَشأت عِدّة رِوايات لِتلك الرسالة، لَكن لا أَحد يُنكر أنَّ هذا الأَمر لَم يُغيّر في مَضمونِها، حيث أنَّ جَميع الرِّوايات تَحمِل نَفس الفَحوى، كَما أنَّ عُلماء الحَديث قَدْ أَجازوا نَقْل الرِّوايات بالمَعنى، ونَذكُر فيما يَلي نصًّا لتلك الوثيقة الثمينة.
نصّ الرسالة
"بِسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك، أما بعد، فإنَّ القَضاء فَريضة مُحكَمَة، وسُنّة مُتَّبَعة، فَافهَم إذا أُدْلِيَ إِليْك، فَإِنَّهُ لا يَنفع تَكلم بِحقّ لا نَفَاذ لَه. آسِ بَينَ النَّاس بِوَجهِك وعَدْلِك ومَجلسك، حتّى لا يَطمَع شَريف في حَيْفِك، ولا يَيأَس ضَعيف مِن عَدلِك، البَينّة على مَن ادَّعى، واليَمين على مَن أَنْكَر، والصُّلح جَائِز بَين المُسلمين إلّا صُلحَاٌ أَحلَّ حَرَامَاٌ، أو حَرَّم حَلالاٌ. لا يَمنَعُنك قضاءٌ قضَيته اليَوم فَراجعتَ فيه عَقلك وهُديت فيه لِرُشدِك أنْ تَرجِعَ إلى الحَقّ فإنَّ الحقّ قَديمٌ ومُراجَعَة الحَقّ خير مِن التمادي في البَاطل. الفَهْم الفَهْم فِيما تلجلج في صَدْرك مِمّا ليس في كِتاب ولا سُنَّةٍ، ثُمَّ اعرف الأَشباه والأَمثال، فَقِسْ الأُمور عِنْدَ ذلك، واعمِدْ إلى أَقربِها إِلى الله، وأَشبهِها بِالحَقّ، واجْعَل لِمن ادْعَى حَقاً غائباً أو بَيّنة أمدا يَنْتَهي إليها فإِنْ أَحضَرَ بَينته أخذَتْ لَهُ بِحَقِّه وإلّا استحللت عَليه القَضيّة، فَإِنَّه أَنفَى للشَّك وأَجلى للعَمَى، المُسلمون عُدولٌ بَعْضَهُم على بَعض إلّا مَجلوداً في حدّ ومُجَرَّبَاً عليه شَهَادِة زُور أو ظَنيَّناً في وَلاء أو نَسَب، فِإن الله تَوَلى مِنْكُم السرائِر ودَرأ بِالبَينات والإيمان. وإيَّاكَ والغَلق والضَجَر والتَّأذي بِالخُصوم والتنكر عِندَ الخُصومات، فإنَّ الحَقّ في مَواِطن الحَقّ ليعظم الله بِهِ الأَجر، ويحسن به الذخر فَمَن صَحَّت نِيَّته وأَقبَل على نَفْسِه كَفَاهُ الله بَيْنَه وبَيْنَ النَّاس ومَنْ تَخَلَّقَ للنَّاس بِما يَعلم الله أنَّه ليس مِنْ نَفْسِه شانه الله، فَما ظَنك بِثَواب غير الله -عَزَّ وجل- في عاجل رِزقه وخَزائِن رَحمته، والسلام".
التَّوجيهات التي تَضَمَّنَتها رسالة عُمَر بن الخطَّاب
دَرس العُلماء وثيقة عُمَر بن الخطّاب -رَضي الله عنه-، فوجَدوا فيها خُلاصِة ما اسْتَفَادَه عُمر مِن نُصوص رسول الله -صَلّى الله عليه وسلم- في أُمور القَضاء ونِظامِه، نَذكر فيما يلي بعض القَواعد والتَّوجيهات التي ذكرها العُلماء:
- أهميّة وجود القَضاء وثُبوتِه في السُّنّة النبويّة وكَونِه فَريضة مِن فَرائِض الدّين الإِسلامي.
- تَوضيح أُسس القَضاء من المُساواة بَين الخُصوم في جَميع الإِجراءات، وإِتاحة الفُرصة لكلا الخصمين بالتحدُّث بما لديهم وتَوضيح مَوقفهم للقاضي، والابتعاد عن الظُّلم والمُحَاباة في القَضاء.
- ضَرورة فَهم القَضيّة وأدلة كُلّ خَصم مِن قِبل القَاضي، وحُضورِه مَعَهم مُعْتَدِل النَّفْس ومُرتاح البَال والضَمير، فَقدْ قال رسول الله -صَلّى الله عليه وسلم-: (لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بيْنَ اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ).
- ضَرورة ووجوب إِنفاذ حُكم القَضاء بَعد اتِّضاح الحَقّ، والرُّجوع عَنه إذا تبيّن وُجود خَطأ فِيه أو مُخَالَفَته للكِتاب والسُّنّة النبويّة.
- وُجوب سَعي القاضي للصُّلح بَين المُتَخاصِمين قَبل البِدء بِالقَضاء، حَيث يُمكن أن تَكون الخُصومة بِسَبب عَدم وضوح الوَاقِعة للمُتخاصمين أو تعارض البينات عندهما.
- أهميّة الإِخلاص في القَضاء وقَصْد وَجه الله تَعالى، والابتعاد عن الرِّياء ورِضا النَّاس فيما يتعارض مع رِضا الله سُبْحَانَه وتَعالى.