دورة الماء في الطبيعة
دورة الماء في الطبيعة
تُعرّف دورة الماء في الطبيعة أو الدورة الهيدرولوجيّة (بالإنجليزيّة: Hydrologic Cycle) بأنّها الدورة التي المسؤولة عن حركة المياه في نظام الغلاف الجوّي للأرض، وتتمثّل في العديد من العمليات؛ كالتبخّر، والنتح، والتكاثف، والهطول، والجريان السطحي، وغيرها، حيث يتمّ من خلال هذه الدورة إعادة تدوير المياه للمحافظة على وجود المسطّحات المائية، واستمرارية تكاثف السحب، وهطول الأمطار على مرّ الأزمنة.
مراحل دورة الماء في الطبيعة
تمر دورة الماء في الطبيعة بعدة مراحل، وهي كالآتي:
التبخر
يُعرّف التبخّر (بالإنجليزية: Evaporation) بأنّه العملية التي يتحوّل خلالها الماء من حالته السائلة إلى الحالة الغازيّة، وهو المسار الرئيسي لانتقال الماء من حالته السائلة إلى دورة الماء مرّةً أخرى على شكل بخار ماء في الغلاف الجويّ.
وتُعدّ الطاقة الحرارية من العوامل الأساسية في حدوث عملية التبخّر؛ وذلك لأنّها تُكسّر الروابط الموجودة بين جزيئات الماء فيتبخّر بشكلٍ أسرع عند وصوله إلى درجة الغليان التي تُعادل نحو 100 درجة مئوية، وتجدُر الإشارة إلى أنّه يُمكن أن يتحوّل كلّ من الثلج والجليد إلى بخار ماء من خلال عملية يُطلق عليها التسامي (بالإنجليزية: Sublimation).
تحدث مرحلة التبخّر في دورة الماء عند ازدياد درجة حرارة سطح الأرض بفعل أشعة الشمس، حيث تزيد حرارة الشمس من سرعة جزيئات الماء ممّا يزيد من طاقتها الحركية بمقدار يكفيها لتنطلق إلى الغلاف الجوّي على شكل غاز.
وتبقى هذه الجزيئات في الغلاف الجوّي حوالي 10 أيّام ترتفع خلالها عمودياً حتّى تبدأ درجة حرارتها بالنقصان، وعندما تُصبح باردةً بما يكفي تبدأ بالتكاثف والتحوّل إلى الحالة السائلة على شكل قطرات ماء عالقة في الغلاف الجوّي، ثمّ تتحوّل إلى غيوم لتبدأ بعد ذلك عملية الهطول.
ينتج عن عملية التبخّر تشكّل المياه العذبة؛ حيث إنّ المصدر الرئيسي للمياه المتبخّرة في الغلاف الجويّ هي مياه المحيطات المالحة التي تُغطّي سطح الأرض بنسبة 70%، وعند تبخّر مياه المحيطات يبقى الملح ويتكاثف بخار الماء النقي على شكل غيوم ثمّ يهطل ليُغذّي الأنهار والبحيرات والجداول بالمياه العذبة،
كما أنّ حوالي 90% من رطوبة الغلاف الجوّي مصدرها تبخّر مياه المحيطات والبحار والأنهار الموجودة على سطح الأرض، بينما يعود مصدر النسبة المتبقية لرطوبة الغلاف الجوّي إلى عملية نتح النباتات.
النتح
تمتصّ النباتات الماء عبر جذورها من الطبقة السطحيّة للتربة وتُطلقه مجدّداً على شكل بخار عبر أوراقها من خلال عملية تُعرف بالنتح (بالإنجليزية: Transpiration)، وتُعتبر هذه العملية من أهم مراحل دورة الماء لأنّها تُمثّل أحد المصادر الرئيسية للمياه في الغلاف الجوّي بما يُقارب 10% من إجمالي المياه الموجودة فيه.
وتعتمد معدلات النتح على درجة الحرارة، والرطوبة، وتوافر ضوء الشمس وشدّته، وهطول الأمطار، ونوع التربة وتشبّعها، وشدّة الرياح، وانحدار الأرض، وغيرها.
تُطلق الغابات كمّيات كبيرة من الماء إلى الغلاف الجوّي عبر أوراق أشجارها وجذور النباتات الوعائية من خلال عملية النتح؛ إذ تُعدّ أوراق النباتات المصدر الرئيسي للنتح التبخّري (بالإنجليزية: Evapotranspiration) الصادر عن الغابات، الأمر الذي يزيد من نسبة جفاف الغابات.*.
يُشير مصطلح النتح التبخّري إلى مجموع عمليات التبخّر الصادرة عن نتح النباتات الموجودة على اليابسة وأسطح البحار والمحيطات إلى الغلاف الجوّي، وهو أحد أهم المراحل التي تمرّ بها دورة الماء في الطبيعة والتي تلعب فيها الغابات دوراً مهمّاً، كما ينتقل الماء من النباتات إلى الغلاف الجوي بطرقٍ أخرى أهمّها ما يُطلق عليه اعتراض المظلّة*.
التكاثف
يُعرّف التكاثف (بالإنجليزية: Condensation) بأنّه عملية تحوّل بخار الماء إلى ماء سائل أيّ أنّه عكس عملية التبخّر، وتظهر أهمية عملية التكاثف في دورة الماء من خلال دورها في عملية تكوين السحب المعنيّة بهطول الأمطار وعودة المياه إلى سطح الأرض عبر دورة الماء.
تتكوّن الغيوم عندما تنخفض درجة حرارة البخار نتيجة ارتفاعه للأعلى في الغلاف الجوي، حيث يرتبط انخفاض درجة الحرارة في الأعلى بانخفاض الضغط بشكلٍ طردي؛ إذ يعتمد المحتوى الحراري الكلّي (بالإنجليزية: Total Heat Content) في أيّ نظام بشكلٍ أساسي على كمية المادة الموجودة فيه.
وكلّما زاد الارتفاع عن مستوى سطح البحر قل ضغط الهواء نتيجة انخفاض جزيئات الهواء نسبةً لوحدة الحجم، لذا تقل كثافة الهواء ودرجة حرارته.
تبدأ جزيئات بخار الماء بالتكاثف حول جزيئاتٍ صغيرةٍ عالقة في الهواء فتتشكّل الغيوم، وتجدُر الإشارة إلى أنّ بخار الماء يُعدّ مكوّناً أساسياً في الهواء بغضّ النظر عن كميّته التي قد تختلف من حينٍ إلى آخر
يستطيع الإنسان رؤية بخار الماء على شكل ضباب (بالإنجليزية: Fog) عندما يكون بالقرب من سطح الأرض أثناء الطقس شديد الرطوبة.
الهطول
يُعرف الهطول (بالإنجليزية: Precipitation) بأنّه الماء المنهمر من الغيوم على شكل أمطار في معظم الأحيان، أو على شكل أمطار جليدية، أو أمطار ثلجية، أو ثلوج، أو حبّات بَرَد في أحيانٍ أخرى، وتكون هذه المرحلة هي المسؤولة عن انتقال الماء من الغلاف الجوي إلى سطح الأرض.
تتشكّل الأمطار بطريقتين؛ الأولى حين يزداد حجم بعض القطرات نتيجة حدوث تكاثف بخار إضافي إثر تصادم جزيئات الماء مع بعضها، وإذا كانت التصادمات كافيةً لإنتاج قطرة ماء ذات سرعة سقوط أكبر من سرعة التيّار الصاعد للغيوم، فيُؤدّي ذلك إلى سقوط القطرة خارج الغيمة على شكل هطول.
أمّا الطريقة الثانية والأكثر فاعلية لتصل قطرة الماء إلى حجم قطرة الهطول فهي من خلال عملية بيرجيرون التي تُعبّر عن نموّ بلّورات الجليد بشكلٍ أسرع بكثير من تكاثف بخار الماء الموجود في الغيمة، فتتساقط البلّورات على شكل ثلج أو تذوب وتهطل كأمطار.
فيما يأتي أكثر أنواع الهطول شيوعاً:
- المطر
(بالإنجليزية: Rain) قطرات سائلة من الماء تتكوّن عندما يتكاثف البخار حول جزيئات الغبار داخل الغيوم، فتتكوّن قطرات صغيرة تستمرّ بالتضخّم حتّى تُصبح كبيرةً جداً بحيث لا تتمكّن الغيمة من حملها، فتسقط بينما يستمرّ حجمها بالازدياد تدريجياً نتيجةً لالتصاقها بالمزيد من جزيئات الماء في طريقها إلى الأسفل.
- الثلج
(بالإنجليزية: Snow)؛ كُتل صغيرة من الماء المتجمّد تسقط من السماء، وتتكوّن كلّ من هذه الكتل من بلّوراتٍ جليدية عندما يتصاعد بخار الماء، أو حين يتحوّل البخار مباشرةً من الحالة الغازية إلى الصلبة على شكل ثلج.
- البَرَد
(بالإنجليزية: Hail)؛ حبّات جليدية تتكوّن في العواصف الرعدية، حيث يمنع الهواء الصاعد حبّات الماء المُتجمّد من السقوط، وعليه يبدأ حجم الحبّات بالازدياد بفعل اصطدامها مع قطرات الماء شديدة البرودة حتّى تُصبح الغيمة غير قادرة على حمل البَرَد بسبب زيادة كتلته التي قد تصل إلى أكثر من 0.68 كغم للحبة الواحدة، فيسقط على شكل حبّات دائرية الشكل بالعادة، ويُشير العلماء إلى أنّ سرعة سقوط البَرَد قد تصل إلى 128.75 كم/ساعة.
- المطر الثلجي
(بالإنجليزية: Sleet)؛ خليط من المطر والثلج يسقط من السماء، يتكوّن نتيجة تجمّد قطرات المطر أثناء سقوطها إلى الأرض، ويكون حجم حبّاته أصغر من حجم حبّات البَرَد وأكثر رطوبةً منه.
الجريان السطحي
يحدث الجريان السطحي (بالإنجليزية: Runoff) عند ازدياد معدلات هطول الأمطار وتشبّع التربة؛ بحيث يُصبح سطح الأرض غير قابل لامتصاص المزيد من الماء فتتكوّن الأنهار والبحيرات ثمّ تعود المياه مرّةً أخرى إلى المحيطات.
قد يؤدّي الجريان السطحي أحياناً إلى تبخّر الماء إلى الغلاف الجوّي مباشرةً؛ فحين تتدفّق مياه الجريان نحو بُحيرة مع عدم وجود منافذ لتتدفق المياه خارجها سيتبخّر الماء لعدم وجود طريقةٍ أخرى لعودة الماء إلى الغلاف الجوّي، وبالتالي ستزداد الشوائب والأملاح في البحيرة حتّى تُصبح مالحة؛ كالبحيرة المالحة الكبرى في ولاية يوتا، والبحر الميت في فلسطين.
أهمية دورة المياه في الطبيعة
تكمن أهمية دورة المياه في الطبيعة بما يأتي:
- توفير المياه العذبة اللازمة لكافة الكائنات الحية على كوكب الأرض، وتجديد مصادرها على الكرة الأرضية، أي تجديد مياه الأنهار، والبحار، والجداول.
- تنظيم المناخ.
- المحافظة على رطوبة الجو.
- توفير تربة صالحة للزراعة.
تأثير دورة الماء على حركة العناصر
تظهر أهمية دورة الماء في تأثير مراحل حركتها في الطبيعة وأنماط هطول الأمطار فيها بشكلٍ رئيسيّ على الأنظمة الطبيعية في كوكب الأرض.
كما تُعدّ عمليتيّ الجريان السطحيّ وهطول الأمطار من أهم العوامل التي تُساهم في دورة انتقال مختلف العناصر؛ كعنصر الكربون، والنيتروجين، والفوسفور، والكبريت، حيث تُساهم عملية الجريان السطحي في نقل العناصر الموجودة على اليابسة إلى النظم البيئية المائية المختلفة.
تأثير التّغير المناخي على دورة المياه في الطبيعة
يؤثّر التغيُّر المناخي في نسبة بخار الماء، وتشكّل الغيوم، وأنواع الهطولات المطرية، وأنواع التيارات المتدفِّقة التي ترتبط بشكل أساسي بدورة المياه في الطبيعة، وذلك من خلال ما يأتي:
- عند ارتفاع درجة حرارة الهواء يزداد تبخُّر الماء، ويصبح الهواء متشبّعًا بجزيئات الماء المتبخرة، وبالتالي تحدث عواصف مطرية قوية تؤدِّي إلى حدوث الفياضانات.
- بالمقابل فإنَّ ارتفاع درجة حرارة الهواء، وازدياد عملية تبخُّر الماء من الأرض يؤدِّيان إلى حدوث جفاف في التربة، وعند هطول المطر لا تستطيع التربة امتصاصها، وتجري المياه نحو الأنهار والجداول.
فيديو عن دورة الماء في الطبيعة
للتعرّف على المزيد حول دورة الماء في الطبيعة يُمكن مشاهدة الفيديو الآتي:
______________________________________________________________________________
- اعتراض المظلّة: (بالإنجليزية: Canopy Interception)؛ هطول الأمطار الذي يتمّ اعتراضه بواسطة أسطح النباتات والأشجار بدلاً من سقوطه على سطح الأرض والمسطحات المائية ثمّ تبخّره فيما بعد.