دور الهجرة إلى المدينة في حماية الدعوة وبناء الدولة
ثم كانت هجرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة بعد مؤتمر العقبة الأول والثاني، وتعهد أهل المدينة ممن أسلم منهم من الأوس والخزرج بحماية النبي عليه الصلاة والسلام، وعند وصول النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة قام بخطوات مهمة كثير، منها:
بناء المسجد
اشترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الصحابة الكرام في إقامة المسجد وهم يقولون معه: (اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ... فَانْصُرِ الأنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ وفي حَديثِ شيبَانَ بَدَلَ فَانْصُرْ: فَاغْفِرْ)، فكان المسجد أول مؤسسة إسلامية في المدينة المنوّرة يتم ورود المسلمين إليه.
وليس من أجل الصلاة اليومية فحسب، بل كان مكاناً تذوب فيه الفوارق الاجتماعية والطبقية، فكل إنسان في هذا المسجد يرتبط مع صاحبه بأخوّة الإيمان والإسلام بغض النظر عن بقيّة العوامل الأخرى؛ كاللون والعرق واللغة والنسب والفقر والغنى.
كما كان يتمّ في المسجد تداول الشؤون المجتمعية العامّة والطارئة، واستعراض المشاكل اليومية، واستقبال الوفود والضيوف القادمين من الأماكن البعيدة، ودراسة المخاطر المحيطة بالمجتمع الناشئ، وعقد الرايات وتسيير الجيوش، بالإضافة إلى إرسال السرايا والرسائل إلى رؤساء القبائل والملوك والأمراء، فالمسجد هو بيت للصلاة وهو جامعة تعليمية تربوية وهو دار رعاية ومركز مهم للمسلمين.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين بنفسه، وكانت عملية التآخي هذه خطوة عملية رائعة لبناء مجتمع متماسك متآخي بأخوة الإسلام والإيمان، يعمّ بينهم السلام، وتنطفئ بينهم الأحقاد، وتنتشر بينهم الموّدة وكرم الضيافة والإحسان، وحق الجار وحق الصحبة والأخوّة بالإيمان التي كانت في إحدى مراحلها حق التوارث.
وضع الوثيقة
هذه الوثيقة كان مهمتها أن تعمل كدستور ينظّم العمل المجتمعي في المدينة المنوّرة، ويرسم علاقات الأفراد بالمجتمع وعلاقات المجتمع بالأفراد، وتتلخص ركائزها بإصدار مفهوم الأمّة، وهم جماعة المهاجرين والأنصار تربطهم رابطة الإيمان بالله واليوم الآخر وما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وتنوط بهذه الأمّة إقامة العدل الاجتماعي بكفالة: "المفرح، وتأدية الديّة بصورة مشتركة، وفداء العاني". كما تلزمهم الوثيقة بالتعاون فيما بينهم في القضاء على المظالم والمفاسد ومرتكبي الآثام، حتى لو كان للمجرم صلة قرابة مع أحدهم.
كما أن هذه الوثيقة توثّق العلاقات بين العناصر المكوّنة للأمة المؤمنة، فهم متساوون في الحقوق والقيمة الذاتية، يجير أدناهم أعلاهم، وببناء المؤسسات وتطويرها ثم بناء الدولة والانطلاق بها إلى العالم لنشر قيم العدل والحقوق الإنسانية ومنع المظالم.