دروس وعبر من قصة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك
غزوة تبوك
- وقعت غزوة تبوك في رجب من السنة التاسعة للهجرة، وكان سببها أنّه قد وصل إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أخبار تُفيد أنّ الروم تحشد جموعها لغزو المسلمين في بلادهم، فعزم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أن يُبادئهم بالغزو قبل أن يغزوه، وكان من سياسته -صلّى الله عليه وسلّم- في غزواته ألّا يُخبر بوجهته لكتم الأخبار والتعتيم على العدو، إلّا أنّه في هذه الغزوة أخبر المسلمين بوجهته وذلك للاستعداد والتجهز جيداً حيث أنّ العدو كثير العدد، والجو شديد الحرارة، والمسافة بعيدة، والناس يعيشون في حالةٍ من العسرة والضيق بسبب الجدب والقحط.
- فأخذ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يحضّ المسلمين على المبادرة والإنفاق بغية تجهيز الجيش، فاستجاب المسلمون لندائه -صلّى الله عليه وسلّم- فتبرع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بجلّ ماله، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بنصف ماله، وعمد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى تجهيز ثلاثمائة بعير، والتبرع بألف دينار ووضعها في حجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فأخذ يقلبها ويقول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ).
- وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه قد تخلف عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في هذه الغزوة فئتين: أوّلهما: أصحاب الأعذار الذين لا جهاز لهم ولا يملكون مالاً يشترون به جهازهم فهؤلاء قد عذرهم الله -تعالى-، وثانيهما: المنافقون الذين ما انفكوا عن تثبيط المسلمين وثنيهم عن الغزوة، إلّا أنّه قد كان هناك بعض المتخلفين، ولم يكونوا من الفئتين وأشهرهم: كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية -رضي الله عنهم-.
دروس وعبر من قصة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك
قال الله -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ) ، ذكر الله -تعالى- توبة الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك في القرآن الكريم، لتبقى توبتهم رمزاً خالداً إلى يوم القيامة، ومن الدروس والعبر المستفادة من قصتهم ما يأتي:
الاعتراف بالتقصير في طاعة الله -تعالى- ورسوله
حيث يجوز للمسلم الاعتراف بتقصيره في طاعة الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- وذلك كما فعل كعب بن مالك -رضي الله عنه- الذي نصح المسلمين أن يتركوا ويهجروا ذنوبهم.
الإفصاح والتحدث بنعمة الله -تعالى-
حيث يجوز للمسلم التحدث بنعم الله -تعالى- عليه إن لم يشوبه ذلك كبرٌ وفخرٌ وتعالٍ، فقد قال الله -تعالى- على لسان نبيه يوسف -عليه السلام-: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ) .
أهمية الستر على المخطئ في النصح والإصلاح
لا شكّ أن ستر صاحب الخطأ وعدم التصريح باسمه سبباً في رجاء إصلاحه وعدم فضح أمره، وذلك كما كان يفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في نصيحته، فيقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا".
ضرورة الذبّ والدفاع عن عرض المسلمين
وذلك كما فعل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما تعرّض كعب بن مالك -رضي الله عنه- للطعن والتشكيك به، فأخذ معاذ -رضي الله عنه- بالدفاع عنه وإخبار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لا يُعلَم عن كعب إلّا كل خير.
التأسف على ما فات من فعل الخير
يجوز للمسلم التأسّف على ما فاته من الخير وتمنّي لو كان قد فعله، كما قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: (فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ).