دروس وعبر من غزوة بدر
دروس وعبر من غزوة بدر
النصر لا يعتمد على الأسباب المادية فقط
إنّ الانتصار في معارك الدين لا تحكُمه المادّة أو القوّة فقط، وإنّما يكون ذلك بقدر فهم المُسلمين لشروط النصر الواردة في القُرآن الكريم والسُنة النبوية، وتطبيقُهم لها على أرض الواقع، وكذلك الاستعداد للمعركة بما يستطيعون من قوّة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وكانت معركة بدر خير مثالٍ على معارك العقيدة التي انتصر فيها الحقّ على الباطل، قال -تعالى-: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وممّا يؤكّد على أهميّة العقيدة في النصر؛ قضاء النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة المعركة بِالدُعاء، والتضرّع لله -تعالى-، وهذا يؤكّد أهمية اللّجوء لله -تعالى- عند الشدّة مع الأخذ بالأسباب.
التأكيد على مبدأ الشورى
حيث كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يشاور الصحابة مع أنّه مُؤيّدٌ بالوحي، فقد شاور أصحابه في معركة بدر بين قتال المُشركين أو الرُجوع إلى المدينة بعد نجاة القافلة، مع أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يميل إلى القتال؛ لما في الرجوع والعودة من الآثار السلبيّة، وقد يشجّع ذلك المشركين على التمادي أكثر، إلا أنّه طلب من الصحابة أيضاً إبداء آرائِهِم في ذلك.
الإصرار على النصر وبذل أسبابه
إن الإصرار على النصر وبذل الأسباب في سبيل ذلك من أهمّ العِبر التي يُمكن الاستفادةُ منها في غزوة بدر ، ويكون ذلك بالإقدام في اتّخاذ القرارات، والبُعد عن التردُّد، وعدم السّماع للمُثبّطين والمُتخاذلين، مع السعي نحو النصر والأخذ بأسبابه، وظهر ذلك جليّاً من خلال مواقف النبي -عليه الصلاة والسلام- التي تدُلّ على عزمه وإصراره على النصر.
التعريف بغزوة بدر
حَدثت غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكان السبب المُباشر لحدوثِهِا خُروج النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعض أصحابه للتعرّض لقافلة قريش العائدة من الشام والمُتوجّهة إلى مكة، وكان يقودها أبو سُفيان ، وعندما رآهم أرسل لزُعماء قُريش يُخبرُهم بذلك، فخرجت بألف مُقاتلٍ، وكان عدد المُسلمين ثلاثُ مئة وأربعة عشر رَجُلاً، فاستشارهم النبيّ بالحرب والقتال، فوافق المُهاجرين على ذلك، ثُمّ استشارهم مرةً أُخرى، فوافق الأنصار على خوض الحرب معه، فبشّرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بوعد الله -تعالى- لهم بالنصر.
وقد نزل بهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى أدنى ماءٍ من موقعة بدر، فأشار عليه الحبّاب بن المُنذر -رضي الله عنه- بعد استئذانه بقطع الماء عن المُشركين، فنزل بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المكان الذي أشار إليه الحبّاب، وبُني للنبيّ عريشاً، وسوّى صُفوف المسلمين، وحثّهم على الجهاد، ولمّا بدأت المعركة بدأ النبيّ بالدُعاء لهم بالنّصر، وانتهت بنصر المُسلمين، وقُتل سبعين من المُشركين، وقد كان لهذه الغزوة أثرٌ كبيرٌ لمستقبل الإسلام والمسلمين، وسمّاها الله -تعالى- في القُرآن الكريم بيوم الفُرقان ؛ لتفريقها بين الحقّ وعزّته والباطل وذُلّه.