دروس من حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة
دروس من حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة
أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: (أنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ منها، وَأَشَاحَ بوَجْهِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ)، وتفصيل الدروس المُستنبطة من هذا الحديث ما يأتي:
- استغلَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع الفرص المتاحة واستثمرهم في تنبيه أمته من نار جهنم وحرها، وذلك من حُبه -صلى الله عليه وسلم- لأمته وعطفه عليهم.
- يحثُّ الحديث الشريف على عدم الانتقاص من الصدقة ؛ فالإنسان إن عَوَّد نفسه على العمل اليسير في الحياة الدنيا، فإنَّ ذلك سيكون كثيراً في ميزان حسناته عند الله -عز وجل- يوم القيامة، وبذلك لم يكتف النبي -صلى الله عليه وسلم- في توجيه البعد عن النار، بل بيَّن -صلى الله عليه وسلم- باب من أبواب الخير في البعد عن نار جهنم.
- شق التمرة معناها شطر التمرة وهو توجيه بأن يبتعد العباد عن نار جهنم، ولو بالقليل من العمل مثل التبرع بالمال، فمن لم يجد مالاً للتبرع فله أقل من ذلك كأن يلاقي الناس بوجه بشوش وكلمة طيبة فالكلمة الطيبة صدقة.
- قيل في الكلام الطيب: "الكلام الطيب مندوب إليه وهو من جليل أفعال البر؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعله كالصدقة بالمال، ووجه تشبيهه -صلى الله عليه وسلم- الكلمة الطيبة بالصدقة بالمال: هو أنَّ الصدقة بالمال تحيا بها نفس المتصدق عليه ويفرح بها، والكلمة الطيبة يفرح بها المؤمن ويحسن موقعها من قلبه".
روايات الحديث
تعددت روايات الحديث على أكثر من لفظ وبيانها فيما يأتي:
- (مَنِ اسْتَطاعَ مِنكُم أنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ).
- (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ).
- (اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاحَ ثَلَاثًا، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه يَنْظُرُ إلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
- (يَقِي أحدُكم وجْهَهُ حَرَّ جَهنمَ ولو بِتَمرةٍ، ولو بشِقِّ تمرةٍ، فإنَّ أحدَكُم لاقِي اللهِ، وقائِلٌ له ما أقولُ لأحدِكُم: ألم أجعلْ لك سمعًا وبصرًا؟ فيقولُ: بَلى، فيقولُ: ألم أجعلْ لك مالًا وولدًا؟ فيقولُ: بلى، فيقولُ: أين ما قَدَّمْتَ لنفسِكَ؟ فينظرُ قُدَّامَه وبعدَه، وعن يمينِه، وعن شِمالِهِ، ثُم لا يِجِدُ شَيئًا يَقِي به وجْهَهُ حَرَّ جَهنمَ).
(لِيَقِ أحدُكُم وجْهَهُ النَّارَ ولَو بِشِقِّ تَمرةٍ، فإنْ لم يَجِدْ فبكلِمَةٍ طَيِّبةٍ، فإنِّي لا أخافُ عليكُمُ الفَاقَةَ، فإنَّ اللهَ ناصِرُكُمْ، ومُعطِيكُم، حتى تسِيرَ الظَّعِينةُ فِيما بين يَثْرِبَ والحِيرةِ، وأكثرُ ما يُخافُ على مَطِيَّتِها السَّرَقُ).
- (اتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنها تُقَوِّمُ العِوَجَ وتدفَعُ مِيتةَ السُّوءَ وتقعُ من الجائعِ موقعَها من الشَّبعانِ).
ما يرشد إليه الحديث الشريف
يرشد الحديث الشريف إلى عدة أمور بيانها فيما يأتي:
- يجب على المسلم أن يحرص على التزود من الأعمال الصالحة حتى ولو كانت يسيرة، وقد كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم من يتبرع بالتبرعات الكبيرة ومنهم من كان يتبرع بالتبرعات القليلة كلٌ حسب قدرته واستطاعته.
- نوّع الله -سبحانه وتعالى- العبادات رحمةً بعباده وذلك حتى يصلوا للغاية التي شرعها لهم.
- أمر الله -تعالى- بأن يتصدق العبد أيضاً ب الكلمة الطيبة ، والكلمة الطيبة جامعة لأنواع العبادات القولية كالذكر والاستغفار وملاقاة الناس بالكلام الجميل ورد التحية عليهم.
- النصح والإرشاد من الكلام الطيب.
- أي عمل يعمله العبد، حتى لو كان بسيطاً يجدر عد الاستهانة به، فلعلَّه يكون سبباً في دخول الجنة .
التحذير من النار في القرآن والسنة
تضمن النصوص الشرعية عدداً من الآيات والأحاديث التي تُحذر من نار جهنم ومنها ما يأتي:
- قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
- روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عليه: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ" يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا).
(يا عَبَّاسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شيئًا، يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شيئًا، يا فاطِمَةُ بنْتَ رَسولِ اللهِ، سَلِينِي بما شِئْتِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شيئًا).