خطة خالد بن الوليد في معركة مؤتة
خطة خالد بن الوليد العسكرية في المعركة
تسلّم خالد بن الوليد قيادة جيش المسلمين بعد استشهاد القادة الثلاثة الذين عيّنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم زيد بن حارثة، و جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم جميعاً-، وقد نعاهم -عليه الصلاة والسلام- للمسلمين في المدينة قبل أن يأتي الخبر باستشهادهم، فقال: (أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ: حتَّى أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم).
وقد أبلى خالد بن الوليد بلاءً حسناً بعد استشهاد القادة الثلاثة وشعور المسلمين بالهزيمة التي لحقت بهم، واستحق هذا الشرف العظيم بتسميته سيف الله، فاستطاع بذكائه وأسلوبه العسكري الفريد أن يقلب موازين القوى، وشرع بتنفيذ خطته من خلال ما يمكن تسميته بالحرب النفسية للعدو، والتي تمثلت فيما يأتي:
- خداع جيش الروم
أوكل خالد لمجموعةٍ من الجند مهمة إثارة الغبار طوال الليل قبل بدء المعركة؛ ليظن الروم أن الإمدادات تصل للمسلمين في أرض المعركة.
- إعادة تنظيم الجيش
وقد تمثل ذلك في قلب الميمنة إلى ميسرة والميسرة إلى ميمنة، والمقدمة إلى مؤخرة والمؤخرة إلى مقدمة، حيث تفاجأ الروم بذلك وتوهموا أن أمامهم جيشاً احتياطياً آخر في أرض المعركة، مما أثار الرعب في قلوبهم.
- الاستمرار في تضليل جيش الروم
أمر خالد بعض الجند أن يعسكروا فوق أحد التلال القريبة، ومهمتهم إثارة الغبار أثناء المعركة ليُخيل للرومان أن الإمدادات العسكرية تصل المسلمين تباعاً.
- الهجوم ببسالة على العدو
قام خالد بمهاجمة العدو وقتاله بقوة كي يستطيع أن يؤمن للمسلمين الانسحاب التدريجي حمايةً لهم من الإبادة الجماعية، ودون أن يدرك الرومان بأنها حيلة منه.
- العمل على الانسحاب التدريجي
شرع خالد بالانسحاب شيئاً فشيئاً بالجيش إلى الصحراء حتى ظن الرومان أن خالداً يستدرجهم إلى الصحراء، فخافوا من ملاحقته، مما حقق للمسلمين الانسحاب الآمن، وحقن دماءهم.
أهمية معركة مؤتة
تعتبر معركة مؤتة من الأحداث البارزة والمهمة في التاريخ الإسلامي، وفي فترة الهدنة بين المسلمين وقريش بعد صلح الحديبية كانت أحداث هذه المعركة التي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة، إذ بعث الرسول -عليه الصلاة والسلام- جيشاً لتأديب الدولة الرومانية والموالين لها من نصارى العرب، واكتسبت معركة مؤتة أهميتها لاعتبارات عدة من أبرزها:
- أول المعارك الكبرى خارج الجزيرة العربية
وقعت على مشارف الشام في بلدة مؤتة من بلدات محافظة الكرك في جنوب المملكة الأردنية الهاشمية، ولم تكن السرية الأولى خارج حدود الجزيرة العربية، لكنها كانت الأهم لكونها مقابل الدولة الرومانية التي كانت بمثابة الدولة العظمى في ذلك الوقت.
- أكبر جيش للمسلمين منذ ظهور الإسلام
على الرغم أن جيش المسلمين بلغ ثلاثة آلاف مقاتل في عتاد متواضع، ولأول مرة يُحشد هذا العدد إلا أنه كان في مواجهة مئتي ألف من الدولة الرومانية والموالين لها من العرب المتنصرة، وبالنظر إلى النسبة بين الجيشين تكاد النتيجة تكون محسومة في الميزان العسكري.
- تعيين أكثر من أمير للجيش
هذه هي المعركة الوحيدة التي يتم فيها تعيين ثلاثة من القادة على التوالي، حيث أَمَّر رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في غزوة مؤتة زيد بن حارثة ، فقال: (إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وإنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ).
نتائج معركة مؤتة
تعددت آراء رواة السير والمغازي في نتيجة معركة مؤتة على عدة أقوال، وهي:
- إن النصر كان للمسلمين.
- إن النصر كان للروم.
- لم يكن نصرٌ لأحدٍ وإنما انحاز كل فريقٍ عن الآخر.
حيث رجّح ابن كثير وغيره أن النصر كان للمسلمين في خطة خالد -رضي الله عنه- بالانسحاب بالجيش، وحقن دماء المسلمين، وهذا ما تطمئن إليه النفس إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم)، فقد سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- فتحاً، ولما وصلوا المدينة النبوية أخبر عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أنّ الناس جعلوا يحثون على الجيش التراب، ويقولون: يا فُرّار، فررتم في سبيل الله، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ليسوا بالفُرَّارِ، ولكنَّهم الكُرَّارُ إنْ شاء اللهُ تعالى).