خطبة عن فضل صيام التطوع
مقدمة الخطبة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل الله؛ فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً، جل عن الأشباه والأمثال، وتقدس عن الأضداد والأنداد والشركاء والأشكال، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لحكمه ولا معقب لأمره: (وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ.)
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه، وخليله، وصفيه، وصفوته وخيرته من خلقه، بعثه رحمةً للعالمين، وإماماً للمتقين، وحسرةً على الكافرين، وحجةً على العباد أجمعين، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغُمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأقام الدين، وترك أمته على البيضاء الواضحة البينة للسالكين، أما بعد يا عباد.
الوصية بتقوى الله -عز وجل-
فإنني أوصيكم ونفسي ب تقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم ونفسي من مخالفة أمره وعصيانه؛ لقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وقال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أما بعد يا عباد الله:
الخطبة الأولى
فإنَّ من رحمة الله -عز وجل- أنه فرض علينا فرائض، وجعل من جنس كل فريضةٍ نافلةً؛ لتتضاعف أجورنا، وتزداد حسناتنا، وليجبر ما في الفرائض من خلل أحدثناه فيها، وليكمل ما فيها من نقصٍ أو تقصيرٍ يكون من أنفسنا، فعن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقص منها شيء. قال: انظروا هل تجدون له من تطوع يكمل له ما ضيع من فريضة من تطوعه، ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك).
ولنأخذ يا عباد الله صوم التطوع الذي هو موضوع خطبتنا؛ فإن صوم التطوع نافلةٌ من النوافل، وأفضل وسيلةٍ للتقرب إلى الله -عز وجل- بعد الفرائض النوافل، فهي سببٌ لمحبة الله -عز وجل- لعبده، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).
واعلموا يا عباد الله أنَّ صوم التطوع من جملة هذه النوافل ؛ التي يتقرب العبد إلى ربه -جلا وعلا-، وصوم التطوع يباعد وينجي صاحبه من النار، فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من صام يوماً في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً).والصوم بنوعيه يا عباد الله هو وقايةٌ من النار، فصوم التطوع يقي صاحبه من النار، فقد جاء في فضل الصوم على وجه العموم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر عن ربه -سبحانه-: (يقول الله -عز وجل-: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
والصوم عملٌ لله -عز وجل- لا يدخله رياء، وهو جُنة أي سترٌ ووقاية من النار، قال العلماء: سمي الصوم جُنة؛ لأن النار حفت بالشهوات، والصوم هو إمساك و امتناع عن الشهوات ، واعلموا يا عباد الله أن جملة صوم التطوع الذي رغب فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو صوم يوم وإفطار يوم، وهو صيام نبي الله داود -عليه السلام-، وهو أفضل الصيام بعد الفرض، حيث كان يصوم يوما ويفطر يوما، وصوم أيام البيض الثلاثة التي تأتي بمنتصف الشهر وهي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، وصيام ستة من شوال، وصيام يومي الاثنين والخميس، وصيام شهر الله المحرم، والإكثار من صوم أيام شعبان، وصيام يوم عاشوراء، وصيام أول تسع من ذي الحجة والتي من بينها يوم عرفة.
وصوم التطوع يا عباد الله فرصة وغنيمة علينا اغتنامها، وعدم تفويتها؛ لأن لا ندري أندرك هذه المواسم أم لا؟ فاليوم الذي ذهب لا يعود، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما أمر والصلاة والسلام على النبي المبعوث لسائر البشر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله إرغاماً لمن كفر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اتصلت عين بنظر، وما سمعت أذن بخبر، وبعد يا عباد الله:
إنَّ في أيام صوم التطوع نفحات ورحمات، أودع الله -عز وجل- فيها الخيرات العظام، وجعل فيها الفضائل الجسام؛ فالسعيد من وفقه الله -عز وجل- لاغتنام هذه الخيرات والفضائل، والتعرض للنفحات، فتنبهوا لها عباد الله، وكونوا متيقظين لها مستعدين لعملها.
واعلموا عباد الله أن الله -تعالى- صلى على نبيه، وأمرنا بالصلاة عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدعاء
- (اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
- اللهم أعنا الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان.
- اللهم أعنا على صيام التطوع، وتقبله منا يا رب العالمين.
- اللهم أصلح شباب وفتيات المسلمين، وردنا إليك رداً جميلاً.
- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.