خطبة عن حديث (من رأى منكم منكرًا)
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، ودخل برحمته المرحومون، وجعل هذه الأمة خير أمةٍ أُخرجت للناس؛ تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتحقّ الحقّ، وتُنكر الباطل، ومَن يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله الصادق المأمون، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين هم بهديه مستمسكون، وسلم تسليماً كثيراً.
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذّركم ونفسي من مخالفة أمره وعصيانه؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
الخطبة الأولى
عباد الله، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما أساس صلاح المجتمع، ودليل خيرية الأمة الإسلامية ، فقد قال الله -عز وجل-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
وقد أثنى الله -سبحانه- في كتابه الكريم على القائمين بهذه المهمّة العظيمة بأمانةٍ وإخلاص، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطورة و عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).
واعلموا -عباد الله- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مراتب بيّنها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فيكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، وكلٌّ حسب مقامه وضوابطه.
أما إنكار المنكر بالقلب فلا عذر لأحدٍ في تركه؛ فهو أدنى درجات الإنكار، ولا يتحصّل للمسلم ضررٌ به، وقد قيل لابن مسعود: من ميت الأحياء؟ فقال: "الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً".
وأما إنكار المنكر باليد -عباد الله- فله ضوابط وأحكام، ولا يصحّ لكلّ أحدٍ أنْ يغيّر باليد إلا في حدود مسؤوليّته، كالأب في بيته، والمسؤول في وظيفته، ووليّ الأمر في رعيّته، كما أنّ التغيير باليد ينبغي أن يكون مسبوقاً بنصحٍ وإرشادٍ وتوجيهٍ، إذْ لا يُفهم من التغيير باليد أنها سلطة مطلقة يُمارسها صاحبها بالقسوة والغِلظة والشدة، قال -تعالى-: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
والأمر بالمعروف -عباد الله- مهمة جليلة، ومسؤولية عظيمة يؤدّيه المسلم على قدر علمه، فلا يتجاوز حدّه فيما لا يعلم، وبحدود استطاعته، فلا يكلّف نفسه أكثر مما يُمكنه أن يقوم به، وعلى المسلم أن يوازن عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين تحقّق المصلحة من عدمها.
فإن غلب على ظنّه أنّ الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر سيترتّب عليه ضررٌ أكبر فليتركْه حتى تزول أسباب الضّرر، قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر". وأقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنة المرسلين، وسبيل المصلحين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، المبعوث رحمةً للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجة على العباد أجمعين، وبعد عباد الله:
أوصي نفسي وإياكم أن نحرص على أن نكون في ركبِ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اقتداءً بنهج الأنبياء في إقامة الدين ونشر الدعوة و الهداية ، واستجابةً لأمر الله -تعالى- الذي يقول: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وإن تعذّر ذلك في وقتٍ من الأوقات لسببٍ من الأسباب فليس أقلّ من أن نذكر الدعاة بخيرٍ، وأن ندعو لهم بالتوفيق والسّداد، وأن يفتح الله على أيديهم قلوب العباد.
وحذاري من الإساءة لكلّ جهدٍ مخلصٍ يهدف أصحابه إلى نشر القيم الفاضلة في المجتمع، وإصلاح ما أفسده المفسدون، يقول الشاعر:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ
- فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ
الدعاء
- (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ).
- اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأعنا يا رب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- اللهم أصلح شباب وفتيات المسلمين، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
- اللهم وفِّق دعاة المسلمين، ووحِّد صفّهم، واجمعهم على كلمة التقوى، واجعلهم أحقّ بها وأهلها.
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.