حكم لبس الدبلة
حكم لبس الدبلة
تعارف كثيرٌ من الناس على لبس الدبلة عند الخطوبة وعقد القِران، وقد تعدّدت أقوال العلماء في حكم لبس الدبلة وقت الخطوبة أو غيرها بين مبيحٍ ومحرِّمٍ؛ فيرى فريقٌ من العلماء أنّ لبس الخاتم أو الدبلة جائزٌ لا بأس فيه، ويرى فريقٌ آخر أنّه محرمةٌ غير جائزٍ، وفيما يأتي تفصيل كلّ قولٍ وأدلته.
القول الأول: إباحة لبس الدبلة
ذهب كثيرٌ من الفقهاء إلى القول بأنّ لبس الخاتم أو الدبلة عند الخطوبة جائزٌ مباحٌ للرجال، إن كانت الدبلة مصنوعةً من الفِضَّة أو أي مادةٍ غير الذهب، واستدلّوا على ذلك بأنّ الرَّسولَ -عليه الصلاةُ والسَّلام- ارتَدى خَاتَمًا من الوَرِق؛ أي الفِضَّة، كما روى عنه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه: (اتَّخَذَ خَاتَمًا مِن فِضَّةٍ، ونَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، وقَالَ: إنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِن ورِقٍ، ونَقَشْتُ فيه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، فلا يَنْقُشَنَّ أحَدٌ علَى نَقْشِهِ).
أما حكمه للنِّساء فيباح لها لبس الدبلة سواءً من الذهب أو من الفضة أو غيرها، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، وأنّه لم يرد نصٌ شرعيّ يحرّم لبسها؛ فيكون جائزًا، كما إذا كانت الدبلة مصنوعةً من الذهب؛ فيحرم لبسها للرجال؛ لورود النصوص في تحريم الذهب للرجال .
القول الثاني: حرمة لبس الدبلة
ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى تَحْريمِ لبس الدبلة للرجال والنساء؛ لما قد يتوارد في تصور البعض عند لبسها بأنها سببٌ في ديمومة العلاقة بين الزّوجين، كما قالوا إنَّ الذي يجري في الخطوبة من تَبادُلَ الدبْلَ بين الخاطب ومخطوبته هو من قبيل التَقْاليد الدَخيلة على المُسْلِمين، والمسلم منهيٌ التشبّه بغير المسلمين.
حكم التحلِّي بالفضة للرجال
مع أنّ فقهاء المذاهب الأربعة قد اتفقوا على جواز لبس الرجل الخاتم من الفضة للرجال، إلا أنّ هنالك أشياءً أخرى يستعمل فيها الرجال الفضة؛ وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في تحلية الأشياء بالفضة، وبيان أقوالهم في ذلك آتيًا.
تحلية السيف والسلاح بالفضة
اتفق الفقهاء بالإجماع على أن تَحْلِيَة السَّيْف وآلاتِ الحَرْبِ للرِّجال جائزٌ لا بأس فيه؛ وذلك كأن يُطلى السيف بها، أو تُستخدم الفضة في تجميل وتزيين الترس والدرع وما شابهها، فكل ذلك جائزٌ عند الفقهاء بالاتفاق لعدم مناقضته لطبيعة الرجل.
التحلّي بالفضة غير الخاتم
اتفق الفقهاء على تحريم استعمال الفضة للرجال بِتَزْيِيِنِ البَدّنِ كَالخَلاخِل والأَساوِر، وأي شيءٍ تَخْتَصُّ به النِّساءُ عن الرجال، فاسْتِعْمالُ الفضة بشيءٍ من ذلك محرَّمٌ على الرّجال بالاتِّفاق، باستثناء الخَاتَم، ودَليلُهم أنَّ رَسولَ الله -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- قد نَهى عن تشبُّه الرِّجال بالنِّساء ، أو العكس، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عنهما- قَولُهُ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)، واستعمال الفِضَّة للرجال ولبسها على شَكْلِ أساوِر أو سَلاسِل فيه تَشَبُّهٌ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساء ظاهرٌ وهو مخالفٌ للنصوص الشرعيّة، حتى إن كانَ من دُونِ قَصْدٍ أو نيَّة.
تحلي الرجال بغير الفضة
يرى فريقٌ من العلماء المعاصرين أن التَحلِّي و التزيّن بغير الذهب للرِّجال جائزٌ مُطلقًا، ومن أبرز من قال بذلك الشيخ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ، ومن الفقهاء القدامى ابن حَزمٍ الظَّاهِريُّ، وحجتهم أنه لم يرد دليل على حرمة التحلي بشيءٍ سوى الذهب، يقولُ ابنُ حّزْم في ذلك: "وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ: حَلَالٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا نَخُصُّ شَيْئًا إلَّا آنِيَةُ الْفِضَّةِ فَقَطْ، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)، فَلَمْ يُفَصِّلْ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ حَلَالٌ".
وزن خاتم الفضة الجائز تحلّي الرجل به
تعدّدت أقوال الفقهاء في مِقْدارِ وَزْنِ الخَاتَمِ أو الدبلة التي يَجْوزُ للرجل أن يَلْبَسَها، وبيان أقوالهم آتيًا:
- أن لا يزيد وزنه عن مثقالٍ: فيرى فريقٌ أنّ وزن الخاتم للرجل لا يجب أن تتعدى مِثْقالًا، وهو قول الحنفية.
- أن يكون أقل من مثقالٍ: أي لا ينبغي أن يَصِلُ إلى مِثْقال. وهو وبَعضُهم يرى أنه يجوز أن يَتَجاوَزَ وزْنُ الخاتم دِرْهَمَيْن شَرْعِيَّيْن.
ويقدّر وزن المثقال اليوم تقريبًا بأَرْبَعَة غراماتٍ ونِصف، بَينَما يبلغ وزن الدِّرْهَمُ الشَّرْعيُّ ما يُقارِب ثَلاثَة غراماتٍ وعُشْرِ الغْرام تقريبًا.