حكم قيام الليل جماعة
حكم قيام الليل جماعة
حكم قيام الليل جماعة في غير رمضان
ذهب جُمهور الفُقهاء إلى جواز قيام الَّليل في جماعةٍ؛ لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، والأفضل أن تُصلَّى جماعةً في بعض الأحيان، وفُرادى أحياناً أُخرى، فقد صلَّى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- جماعةً، ولوحده في بعض الأحيان، ولكنَّ صلاتهُ منفرداً كانت أكثر قيامه، وقد صلَّى بحُذيفة -رضي الله عنه- مرةً، وابن عباس -رضي الله عنه- مرةً، وابن مسعود -رضي الله عنه- مرةً، وبعض الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-.
وقد روى ابن عباس -رضي الله عنه- صلاةً للنبيّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- في قيام الَّليل لوحده فقال: (بِتُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ خَالَتي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مُتَطَوِّعًا مِنَ اللَّيْلِ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى القِرْبَةِ، فَتَوَضَّأَ، فَقَامَ فَصَلَّى)، وعنه -رضي الله عنه- في روايةٍ أُخرى أنَّه صلَّى جماعةً مع النبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- في قيام الليل في غير رمضان.
حكم قيام الليل جماعة في رمضان
يجوزُ للمُسلم أن يُصلِّي قيام الليل أو ما يُسمَّى بالتَّراويح مُنفرداً أو جماعةً، والسُنَّة أن يُصلِّيها جماعةً في المسجد، فقد صلَّاها النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- جماعةً في المسجد عدَّةِ أيامٍ، ثُمَّ تركها؛ مخافةَ أن تُفرض على النَّاس، لِقول عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ في المَسْجِدِ، فَصَلَّى بصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إليهِم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قالَ: قدْ رَأَيْتُ الذي صَنَعْتُمْ ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ علَيْكُم وذلكَ في رَمَضَانَ).
وقد بقي النَّاس يُصلُّون التَّراويح لوحدهم حتى زمن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فجَمَعهم -رضي الله عنه- على إمامٍ واحِدٍ بعد أن رآهم يُصلُّون لوحدهم أو تُصلِّي منهم كُلَّ جماعةٍ لوحدها، فجمعهم على أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه-، واستمرّ النَّاس بالعمل على هذه السُنَّة إلى الوقت الحاضر، ولهذا اتَّفق أهل العلم على مشروعيَّة الجماعة في التَّراويح.
الأسباب المعينة على قيام الّليل
توجد العديد من الأسباب التي تُعين المُسلم على قيام اللّيل، نذكر منها ما يأتي:
- الاستعانة بالله -تعالى-، حيثُ إن الإنسان يستعينُ بالله -تعالى- في جميع عباداته وأعماله، ويحرص على تصحيح عقيدته، وويُقوّي إيمانه بخالقه، ويرجو الآخرة، قال الله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ).
- محبَّة الله -تعالى- والتَّعلُّق به، فالله -تعالى- هو الذي يرزق ويغفر، ومن يُحبُّ أحداً فإنَّه يأنس به، ويُحبُّ مجلسه وحديثه، وكلّما تعلّق قلب المؤمن بالله زاد في طاعته له.
- محبَّة النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، والحرص على الاقتداء به واتّباعه؛ لِقولهِ -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
- الخوف من الله -تعالى-، والتَّحذير من الإفراط في معصيته والأسباب التي تؤدِّي إلى غضبه.
- استحضار الإنسان شهادة ورقابة الله -تعالى-؛ كشهادته على صلاته، وسماعه لتلاوته، واستجابته لدعائه .
- سلامة القلب تِجاه المُسلمين، والابتعاد عن المعاصي، والإقبال على الطَّاعات، والإعراض عن الدُّنيا والتَّعلُّق بها، واجتناب كثرة الأكل والشُّرب الذي يؤدِّي إلى النَّوم الكثير، والابتعاد كذلك عن الأعمال الشَّاقة والمُرهِقة للجسم.
- النيَّة والعزم على قيام الليل، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً)، مع ضبط ما يُساعدُ على القيام؛ كالمُنبِّه، أو تكليف شخصاً بإيقاظه للقيام، والتَّعاون مع الآخرين لقيام اللّيل، فإنه يُضعف الشَّيطان، وقد كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يُقسِّم الليل مع امرأته وخادمه.
- اتِّباع السُّنن الورادة في النَّوم؛ كالنَّوم في أوَّل الليل على وُضوءٍ، والنَّوم على الشِّق الأيمن، والقيام في آخره، لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، مع قراءة أذكار النَّوم؛ كسورة الإخلاص، والمُعوّذتين، وآية الكُرسي، وغير ذلك من الأذكار والآيات الواردة في الكِتاب والسُّنة.
- معرفة فضل قيام الليل، فيتعرّف على منزلة أهل القيام عند الله -تعالى-، وما أعدَّه لهم في الدُّنيا من السَّعادة، والجنَّة في الآخرة.
- الحذر من كيد الشَّيطان وسعيه في منع المُسلم من قيام الَّليل، وتذكُّر الموت، وقِصر الدُّنيا، واغتنام الصِّحة والفراغ قبل أن يأتي ما يَشغل المُسلم عن القيام؛ كالمرض أو السَّفر، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ).
فضل قيام الّليل
توجد الكثير من الفضائل المُترتِّبة على قيام الَّليل ، منها ما يأتي:
- أمر الله -تعالى- نبيّه بالقيام ليلاً، لِقوله -سبحانه-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)، بالإضافة إلى مُحافظة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على قيام اللّيل، وعنايته به حتى كانت تتفطّر قدماه.
- وصف الله -تعالى- للمُحافظين عليه بالمُحسنين الذين يستحقِّون الرَّحمة والخير الكثير منه، فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وكذلك مدحه لهم، وثنائه عليهم، وشهادته لهم بالإيمان الكامل، وتفضليهِ لهم عن غيرهم.
- قيام الليل سببٌ لِدُخول الجنَّة، ورفع الدَّرجات فيها، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ)، كما أنَّه سببٌ لِتكفير السيئات والبُعد عن الإثم.
- قيامُ الَّليل أفضل الصَّلوات بعد الفريضة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ)، وهو شرفٌ للمؤمن، ويُغبَطُ صاحبه عليه، كما أنَّ قراءة القُرآن فيه من الغنائم العظيمة التي ينالهُا المُسلم، قال -عليه الصلاة والسلام-: (من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ، ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ، ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ)، والقنطار هو الأجر العظيم.