حكم دخول الكنيسة
حكم دخول الكنيسة
الرأي الأول: كراهة دخول الكنيسة
قال بِكراهة دخول المسلم للكنيسة عددٌ من الفُقهاء، ومنهم الحنفية، والحنابلة، وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله- إنَّ الصَّلاة تُكره في الكنيسة في حال وُجود الصُّور فيها، ووافق ابن تيمية الإمام أحمد في جَواز دخول الكنيسة والصَّلاة فيها فقط إن خَلت من الصُّور، وعِلَّة كراهة الصَّلاة في الكنيسة عند وجود الصَّور عندهم هي: أنَّ ذلك يكون كالتَّعظيم لهذه الصُّور والتَّبجيل لها.
وعامَّة من قال بكراهة دُخول الكنيسة للمُسلم قيَّد ذلك وعلَّله بوجود الصُّور فيها، واستدلَّ أصحاب هذا الرَّأي بعدم دُخول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- البيوت التي تَحتوي على صُور، وللحديث الوارد في البخاري: (وَعَدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِبْرِيلُ فقالَ: إنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فيه صُورَةٌ ولا كَلْبٌ)، والكنائس تَحتوي على صورٍ أيضاً، فمن بابٍ أولى أنَّ الملائكة لا تدخُلها كذلك.
الرأي الثاني: جواز دخول الكنيسة
انقسم الفُقهاء الذين يُجيزون دخول المسلم للكنيسة لفئتين؛ منهم من أَجاز ذلك مُطلقاً، ومنهم من قيَّد الجَواز بأمورٍ عدَّة، ونُورد القولين وتَعليلهم على النحو الآتي:
الجواز مُطلقاً
ذهب بعض الفقهاء إلى القول بجواز دُخول المسلم للكنيسة على الإطلاق وبدون قُيود، سواءً احتوت الكنيسة على صُور أم لم تحتوِ على صُور، ودليلُ ذلك أنَّ أُمَّ سلمة -رضي الله عنها- دخلت كنيسةً فيها صُور ولم يُنكر عليها النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك، وعدم إنكاره -عليه الصَّلاة والسَّلام- يَدلُّ على جواز الدخول إلى الكنيسة وإن احتوت على صُور. وقيل أيضا إنَّ دليل الجَواز أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- صَلَّى في الكعبة وفيها صُور، فيدلُّ ذلك على جواز دُخول الكنيسة وإن احتوت على صور.
كما ويدلُّ على جواز دُخول الكنيسة مُطلقاً وإن احتوت على صور فِعل الصَّحابة؛ حيث إنَّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- دخل الكنيسة، وقد ورد أنَّه نظر إلى الصُّور التي كانت موجود في الكنيسة؛ فدلَّ ذلك على جواز الدُّخول حتى مع وجود الصُّور، وكَون الملائكة لا تَدخل البيوت المُحتوية على صورٍ لا يُوجب تحريم الدُّخول إليها، كما ورد عن سيدنا عُمر -رضي الله عنه- أنَّه طلب من أهل الذِّمة أن يُوسِّعوا مداخل كنائسهم ليَدخلها المُسلمين والمارَّة، فدلَّ ذلك أيضاً على جواز الدُّخول إلى الكنيسة مُطلقاً، وإن احتوت على الصُّور.
الجواز بشروط أو قيود
قال العديد من العلماء بجواز دخول المسلم للكنيسة مُطلقاً؛ إلا أنَّ البعض قيَّد ذلك الجواز بعدم وجود الصُّور في الكنيسة، واستدلَّ أصحاب هذا القول بفعل عمر -رضي الله عنه- عندما رفض الذَّهاب إلى الكنيسة تلبيةً لدعوة النَّصارى له على الغداء، فرفضه لذلك يدلُّ على عدم الجواز بسبب وجود الصُّور، ومنهم من قيَّد الجَواز بشروطٍ أخرى؛ مثل خُلوِّ الكنيسة من التَّماثيل، وأَمْن الفتنة بها؛ بحيث لا يكون دُخول المسلم للكنيسة له أثرٌ على عقيدته أو ميله تجاه النَّصرانية أو اليَّهودية، أو إذا كان في ذلك فيه فتحٌ لباب الشُّبهات أو الفتن على قَلبه، فإن لم يَخف المسلم على نفسه ذلك جَاز دخوله إلى الكنيسة وإلِّا فلا.
كما قيَّد العلماء جواز الدُّخول إلى الكنيسة بخُلوِّها من المُحرَّمات العَقديَّة أو اللَّهو المُحرَّم؛ فإن احتوت الكنيسة على سبٍّ أو انتقاصٍ للإسلام أو للرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يَجز الدُّخول إليها، كما ويشترط أيضاً عدم وجود وسائل الدَّعوة للتَّنصير أو التَّهويد في الكنيسة ليكون دُخولها جائزاً.
كما قيَّد العلماء جواز دخول المسلم إلى الكنيسة بعدم ارتكابه لأيِّ مُحرَّم من المُحرَّمات ؛ فإن كان سبب دُخوله إلى الكنيسة حُضور حفل زفاف، أو للتَّعزية بموت أحدهم، جاز له ذلك ما دامت هذه الأسباب لا تتضمَّن طقساً من الطُّقوس المُخالفة للإسلام، فإن تضمَّنت ذلك لم يَجز عندها الدُّخول إليها. كما جَوَّز أصحاب هذا الرَّأي الصَّلاة في الكنيسة واستئجار الكنائس بغَرض الصَّلاة فيها، ولكن يَنبغي عندها أن تُزال التَّماثيل منها؛ لأنَّ الصَّلاة بوجود التَّماثيل مَكروهة.
الرأي الثالث: حرمة دخول الكنيسة
انقسم قول الشَّافعية في حكم دُخول المسلم إلى الكنيسة إلى قولين؛ الأول: يُحرِّم الدُّخول إلى الكنيسة دون أخذ الإذن من أصحابها، والقول الآخر لا يرى حُرمة الدُّخول إلى الكنيسة ولو كان ذلك بغير إذنهم. كما وقال أكثر الشَّافعية بتحريم دُخول المسلم إلى الكنيسة التي تحتوي على صُور مُعلَّقة. وعلَّل أصحاب هذا الرَّأي قولهم بأنَّ الكنيسة هي مكان مُتعبَّد النَّصارى، لذلك يَحرم دُخولها على المسلم إن منعه أصحاب الكنيسة من ذلك، وكذلك إن احتوت على صُورٍ مُحرَّمة.
حكم الصلاة في الكنيسة
قال الإمام مالك بِكراهة الصّلاة في الكنيسة ؛ وعلَّل الكراهة بسبب احتمال وجود النَّجاسات فيها من أقدام رُوَّادها، كما أنَّه علَّل كراهة الصَّلاة في الكنائس لما تحتويه من التماثيل، والصَّلاة في مكانٍ تتواجد فيه التَّماثيل مَكروهة. ووافق المالكيَّة كُلاًّ من الشَّافعية والحنفيَّة في كراهة الصَّلاة للمسلم في الكنيسة، وألحقوا بها كلَّ مُتعبَّدٍ لغير المسلمين، واختُصَّت الكراهة في حال دخلها للصَّلاة مُختاراً، وعندها يكون عليه إعادة الصَّلاة، أمَّا إن دخلها اضِطراراً فلا يُكره عندها ذلك.
ولكنَّ الحنابلة قالوا بجواز الصَّلاة في الكنيسة النَّظيفة. وقال بعض العلماء إذا حان وقت الصَّلاة وأراد المُسلم الصَّلاة؛ فله أن يُصلِّي في الكنيسة إن لم يرَ النَّجاسة فيها، وذلك لأنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة؛ فإن لم يَتيقَّن من وجود النَّجاسة يَحكم عليها بالطَّهارة ويُصلِّي فيها، أمَّا إن تحقَّقت الطَّهارة ولكن وُجدت التَّماثيل والصُّور؛ فعندها لا تَصحُّ الصَّلاة فيها لهذا السَّبب.