حكم خلع الحجاب
حكم خلع الحجاب بعد الالتزام به
يحرم على المرأة خلع الحجاب أمام الرجال الأجانب (غير المحارم)؛ لقول الله -تعالى-: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ)، وسيأتي مزيد من التفصيل في الفقرة الثانية، ومع ذلك فإنه لم يَرِد في النصوص الشرعية أن عقوبة من تركت الحجاب بعد الالتزام به أشد من غيرها، لكن معلوم أن عقوبة من علم بحكم من الأحكام والتزم به ثم تعمد تركه وجحد به أشد وأعظم ممن يجهل الحكم ولا يدري به.
حكم خلع الحجاب أمام الرّجال غير المحارم
لا يجوز للمرأة المُكلّفة أن تخلع حجابها أمام الرجال الأجانب أو عند خروجها من المنزل، فذلك من أعظم الذنوب التي تؤدّي إلى غضب الله -تعالى-، والتي يترتب عليها لزوم التوبة، وقد فُرِض الحجاب في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، ويعرف الحجاب شرعاً هو ستر المرأة لزينتها وبدنها باللّباس أمام من لا يجب عليهم رؤية ذلك؛ كالرجال الأجانب عنها؛ أي غير المحارم.
ويُطلِق العُلماء لفظ عورة المرأة أمام الأجانب؛ أي الرجال من غير محارمها، ويقصد به أمرين:
- الأول: هو عورة السّتر، وهي ما يجب ستره من بدنها لِذاته، لا لأجل النّاظر إليه، وما كان من عورة السّتر كالسّاق والرقبة أو أيّ جزء من أجزاء البدن الواجب ستره لذاته حتى لو كان فيه تشوّه، وجب ستره، لأنّها من العورة التي يجب سترهُا لذاتها، لا لتعلّق الفتنة بها، وعورة الستر هي جميعُ بدن المرأة ما عدا الوجه والكفّين، وهو قول الجُمهور، وذهب بعض الفُقهاء إلى القول بأنّه جميع جسدها، فمن ذهب إلى أنّه جميع بدن المرأة فقد حرّم النّظر إليه جميعاً، ومن قال ما عدا الوجه والكفّين؛ أجاز النّظر إلى وجهها وكفّيها.
- الثّاني: هي عورة النّظر، وهي ما يحرم كشفه من جسدها لا لذاته، وإنّما لسببٍ خارجٍ عنه؛ وهو نظر الرّجال له وفتنتهم به، ومتى انتفى السّبب الخارج لم يحرم كشفه؛ كالوجه والكفّين، فذهب الأئمة الأربعة إلى أنّ الوجه والكفّين من عورة النّظر الواجب تغطيتها عند تعلّق الفتنة بها، فأوجبوا تغطيته حين الفتنة.
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن عورة المرأة جميع بدنها باستثناء وجهها وكفّيْها، واستدلّوا على ذلك بعدة أدلة، كقوله -تعالى-: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا)؛ وقالوا إن هذا الاستثناء هو الوجه والكفّيْن، ولقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (يا أسماءُ، إنَّ المرأةَ إذا بَلَغَتِ المَحِيضَ، لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها شيءٌ إلا هذا وهذا. وأشار إلى وَجْهِه وكَفَّيْهِ)، وقد رأى الشافعيّة والحنابلة أن عورة المرأة جميعُ بدنها، واستدلّوا بنفس النص الذي استدلّ به أصحاب القول الأول، وقالوا: إن الآية حرّمت إبداء الزينة، والوجه هو أصل الزينة والجمال، كما قالوا: إذا كانت الحُرمة في النظر إلى الساق والشعر بالاتفاق، فتكون تغطية الوجه من باب أولى.
حكم خلع الحجاب أمام الرّجال المحارم
الرّجال المحارم للمرأة هُم من يجوزُ للمرأة النّظر إليهم، والخلوة بهم، والسّفر معهم، وحُرِّم في الشريعة نكاحها منهم على وجه التّأبيد؛ كالآباء، والأجداد، والإخوة، والأعمام، والأخوال. وذهب الفقهاء إلى جواز نظر المحارم إلى المرأة في حدود ما يبدو عند ارتدائها ملابس المهنة؛ أي الملابس التي ترتديها أثناء قيامها بأعمال المنزل، فأجازوا النّظر إلى ما يظهر منها غالباً، كمواضع الوضوء؛ وكُلُّ هذا مشروطٌ بعدم النّظر إليها من باب الشّهوة والاستمتاع، فينبغي على المرأة التّغطية والسّتر عند وُجود الشُّبهة أو الرّيبة، وقد ذهب بعضُ العُلماء كالزحيلي في كتابه "الفقه الإسلامي" إلى أنّ عورتها أمام محارمها جميع بدنها ما عدا الوجه، والرّقبة، واليدين، والقدم، والسّاق.
حكم خلع الحجاب أمام المرأة المسلمة
ذهب الفُقهاء إلى أن عورة المرأة أمام المرأة كعورة الرّجل أمام الرجل؛ أي ما بين سُرّتها ورُكبتها، فيجوزُ النّظر إلى كل ما عدا ذلك بشرط انتفاء الشّهوة والفِتنة، وقال بعض الفقهاء بالاحتياط في ذلك؛ فقالوا إن عورة المرأة أمام المرأة ما لا يظهر عند الاشتغال في الغالب، وما لا يظهر من زينتها الظاهرة، وقال العلماء إنّ على المرأة أن تحتاط في ذلك لِقول النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لا تُباشِرِ المرأةُ المرأةَ كأنَّها تنعَتُها لزوجِها أو تصِفُها لرجُلٍ كأنَّه ينظُرُ إليها).
حكم خلع الحجاب أمام المرأة غير المسلمة
ذهب الحنابلة والشافعية إلى أنّ عورة المُسلمة أمام غير المسلمة جميع بدنها ما عدا ما يظهر منها عند الأشغال المنزليّة، وقال الحنابلة أيضاً إن عورة المرأة المسلمة أمام المرأة غير المسلمة كعورتها مع محارمها؛ أي ما بين السّرة والرُّكبة، أما الحنفيّة والمالكية فقالوا إنّ عورتها أمام المرأة غير المسلمة كعورتها أمام الرجل الأجنبي، ولا يجوز للمرأة التّجرد أمامها، لِقولهِ -تعالى-: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ)، فخصّص الله -تعالى- النّساء المُسلمات، فلو لم يكُن من التّخصيص فائدة لما قام الله بذكره.