حكم الأضحية عن الميت
حكم الأضحية عن الميت
يَختلف حكم الأضحية عن الميّت باختلاف حالات الأضحية؛ فإن كانت الأضحية وصيّة من الميت فيجب على ورثته تنفيذ هذه الوصيّة دون تردّد، وإن كانت وقفاً أو نذراً فيجب عليهم أيضاً أن يضحوا عنه، أمّا إن كانت الأضحية هديّة من الورثة من باب التّبرع عن ميّتهم؛ فحُكمها يتعدد إلى أكثر من رأي عند الفقهاء، نُوضّح هذه الآراء على الوجه الآتي:
- جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة: قالو بجواز الأضحية عن الميّت؛ وذلك لأنّ الموت ليس مانعاً من التّقرب بالطّاعات عن الميّت وإهداء الأجور له ، كما أنَّهم قاسوا الأضحية عن الميت على كلٍّ من الصّدقة والحجّ عن الميت وكلاهما جائز، وقد استدلّ الجمهور بفعل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-؛ حيث إنَّه ضحّى بكبشين يوم عيد الأضحى، فكان الأوّل عن نفسه، والثّاني عمّن لا يستطيع أن يُضحّي من أمّته، ويجدر التنبيه إلى أنّ المالكية -وإن كانوا يُجيزون الأضحية عن الميت- إلّا أنّهم يَرون فيها الكراهة.
- الشّافعية: قالوا بعدم جواز أن يُضحَّى عن الميَت من دون وصيّة أو وقف.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض العلماء قالوا بتفضيل الدُّعاء للميت على التّضحية عنه؛ وعلَّلوا ذلك بأنَّ الأُضحية إنّما شُرعت للأحياء لا للأموات، ولو كانت مُستحبّة لضحّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن زوجته خديجة -رضي الله عنها-، أو عن عمّه حمزة -رضي الله عنه-، ولو أنّ شخصاً اشترى أُضحية ومات قبل أن يذبحها؛ فعند الإمام أحمد وأبو ثور يجوز ذبحها ولا تكون من الورثة، وقيّد الأوزاعي جواز ذبحها بعدم كون الميّت مَديناً، أمَّا إن كان الميت غارماً ولا مال له غيرها لتسديد دُيونه؛ فعندها تُباع الأضحية لتسديد دَينه، في حين يرى الإمام مالك أنّه يجوز للورثة بيع الأضحية إن كانوا في حاجة.
المقصود بالأضحية ومشروعيتها
تُعرّف الأضحية في اللّغة على أنّها اسم للشّاة أو ما يُذبح يوم عيد الأضحى، وفي الاصطلاح هي كلّ ما يُذكّى من بهيمة الأنعام في أيام النّحر تقرّباً لله -سبحانه وتعالى- بشرائط مخصوصة، وفيما يتعلّق بمشروعيتها؛ فقد أجمع علماء الأمّة على مشروعيتها لورود الأدلّة الكثيرة الثّابتة من القرآن الكريم والسنّة النّبوية، ومنها:
- قول الله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، وفي الآية دلالة على أنّ الأضحية هي أحد شعائر الإسلام التي يجب تعظيمها والعمل بها.
- قول الله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؛ حيث يدلُّ اقتران الذّبح بالصّلاة على أنّه أفضل القُربات وأجلّ الطّاعات التيّ تُقدّم لله -تعالى-.
- قول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإنَّما يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، ومَن ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ).
- فعل الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لذلك؛ فقد ضحّى بكبشين أملحين أقرنين عنه وعن أهل بيته وعن أمّته، وأفعال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- تُعدّ تشريعاً ويجب الاقتداء به.
- إجماع علماء الأمّة، ولم يُعرف أحد خالف مشروعية الأضحية منذ زمن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى يومنا هذا.
الحكمة من مشروعية الأضحية
شرع الله -سبحانه وتعالى- الأضحية لعباده المؤمنين لحكم كثيرة، منها ما يأتي:
- إحياءً لسنّة أبينا إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام-؛ وذلك عندما أمره الله -تعالى- بذبح ولده إسماعيل -عليه السّلام-، وافتداه الله -سبحانه وتعالى- بذبح عظيم جزاءً له لامتثال أوامر الله -تعالى- وتقديمها على محبّة ولده.
- شُكراً لله -سبحانه وتعالى- على نعمه الكثيرة المُغدقة التي أنعم بها على عباده.
- إظهاراً لمشاعر الفرح والسُّرور بين النّاس؛ فإنّ في ذبح الأضاحي توسعة على النّفس وأهل البيت، وفيها أيضاً تتمثّل قيمٌ جليلة؛ من إكرام الضّيف، وتفقّد الجار، وإطعام المسكين، وذلك من خلال توزيع الأضحية عليهم .
- امتثالاً لأومر الله -سبحانه وتعالى- الذي خلق الأنعام وسخّرها لفائدة البشر.
شروط صحة الأضحية ووقتها
تجب الأضحية على المسلم إن كان مُقتدراً عليها، ولا تجب الأضحية عمّن عجز عنها، ويُراد بالقُدرة هنا القُدرة المادّية، على تنوعٍ بين العُلماء في تحديد ضابط القُدرة؛ فمِن العُلماء من يرى أنّها تجب على من يملك مالاً يزيد عن حاجته وحاجة أهل بيته، ومنهم من يرى أنّ القدرة على من يستطيع أن يَستدين من أجل شراء الأضحية.
ويُشترط لصحّة الأضحية وقبولها عند الله -تعالى- ما يأتي:
- أن تكون نيّة المُضحّي لله -تعالى-؛ إذ إنّ النّية أساس قبول الأعمال عند الله -تعالى، وأيّ عمل يخلو من النّية السليمة لا يُقبل.
- أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام؛ وهي الضأن، أو المعز، أو الإبل، أو البقر.
- أن تُضحّى في وقت مخصوص؛ ووقت الأضحية هو من أول أيام عيد الأضحى؛ العاشر من ذي الحجّة، إلى ثالث أيام التّشريق.
- أن تبلغ الأضحية السنّ المُقرر لها شرعاً؛ وسنّ الضّأن الذي يصحّ التضحية به هو ستّة أشهر، والمعز سنة، أمّا الإبل فخمس سنوات، والبقر سنتان، وتُجزئ المسلم واحدة من الغنم ليُضحي بها عن نفسه وأهل بيته، أمّا الإبل والبقر فيجوز أن يَشترك بها سبعة أشخاص.
- أن تخلو الأضحية من العُيوب والأمراض الفاحشة؛ فلا يصحّ التضحية بالبهيمة العوراء، أو العمياء، أو الهزيلة، أو العرجاء التي لا تستطيع المشي، أو الهتماء التي سقطت أسنانها بسبب كبر سنّها، أو التي جفّ حليبها بسبب كبر سنّها.