حقيقة الحياة الدنيا في سورة الكهف
حقيقة الحياة الدنيا في سورة الكهف
تفسير قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
قال -تعالى- في كتابه الكريم: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً)،يضرب الله -سبحانه وتعالى- مثالًا آخرًا للحياة الدنيا، ويخاطب -سبحانه- في الآية الكريمة الأغنياء والفقراء.
وسبب مخاطبته للأغنياء حتى لا يتكبروا ويغتروا بما يملكون من أموال وسلطة، ومخاطبته للفقراء كان ذلك حتى لا ينظروا إلى الأغنياء، ويملؤوا قلوبهم بما يملكون، تطرقت الآية الكريمة إلى أنّ أغلب الأغنياء لا يؤدون حقوقهم اتجاه الزكاة المفروضة عليهم ولا اتجاه الفقراء والمساكين، وتكلمت عن الذين لا يملكون شيئًا في الدنيا لا يحاسبهم الله يوم القيامة إذا كانوا من الصالحين.
يُبيّن الله -تعالى- في الآية حقيقة الدنيا ومكانتها، فقد شبّهها بالدورة الزراعية تبدأ من قطرات الماء، وتنتهي بالهشيم كما ورد في الآية: (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ)،فهو في النهاية يطير مع الريح ليتفرق ولا يصبح له أثرًا، كأنه لم يكن من الأساس، وهذا هو حال الدنيا فهي حياة مؤقتة وفانية.
يتجلّى في هذا المثل القرآني عن الحياة الدنيا ، ويُبيّن أنها حياة تسر الناظرين لأهلها، فتقوم بإغراء المغفلين من الناس الذين يسعون وراءها، وتفتن المغرورين، ولكن سرعان ما تنتهي حلاوتها وجمالها فتذبل وتصبح لا شيء، فهو عبارة عن تَمَتُع حدث لفترة قصيرة ومحدودة، وهو قابل للزوال وعلى العاقل أن يسعى دائمًا لما هو باقٍ.
بعض الحِكم التي ذكرها العلماء في حقيقة الحياة الدنيا
ورد في المثل القرآني التي ذكرته الآية القرآنية بعض من الحكم، ومنها:
- بيان عاقبة المغتر بالدنيا وما يبذله من جهد من أجل الوصول لها وتحصيلها كعاقبة النبات، حيث إنّ الزارع يضع كلّ آماله في المحصول ولكن سرعان ما يخيب ظنّه بعد هلاك محصوله، وهذا ما يحصل للمرء الذي يتمسك بالحياة الدنيا فقد يأتيه الموت من حيث لا يحتسب.
- ذكر حقيقة أنّ الشخص المغتر بالحياة الدنيا وسعيه للحصول عليها، فإنه لا جدوى ولا فائدة منه، فسعيه يذهب هباءً منثوراً.
- إنّ الزارع حصل ما يهلك الزرع، فإنه لا يستطيع تحمل ذلك فيحصل له الكثير من الشقاء والحسرة، فكذلك حال من أسلم قلبه للحياة الدنيا وجعله منقادًا إليها، فقد كان يقوم بالضغط على نفسه وأتعابها في تحصيل مراده في الدنيا.
وعند حضور الموت، فإن كلّ العناء والشقاء الذي قام بتحمله والصبر عليه وذلك لتحصيل أسباب الدنيا وراحته فيها أصبحت سببًا لحصوله على الشقاء الكبير والعظيم في حياته الثانية والحياة الآخرة، فهي حياة قائمة ودائمة وليست كالدنيا فانية وزائلة.