حق المرأة في الميراث
حق المرأة في الميراث
نصَّت الآيات القرآنية بوضوحٍ على أنَّ للمرأةٍ حقٌّ في الميراث كما للرَّجل حقٌّ فيه، قال الله -تعالى-: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)، بل إنَّ الله -تعالى- جَعل نصيب الأنثى في الميراث هو الأصل في الميراث، ونَصيب الذَّكر يُعرف من خلال الإضافة إلى نَصيب الأنثى، كما في قوله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)، ويُستدل من هذه الآيات أنَّ نصيب المرأة وحقَّها في الميراث ثابتٌ بالشَّرع لا بإرادة المُورِّث أو رضاه؛ إذ إنَّ الإرث في النِّظام الإسلامي سبباً من أسباب التَّملك الثَّابتة بحُكم الشَّرع والتي لا تحتاج إلى اتِّفاقٍ مُسبقٍ أو وصيَّة، ولا تتوقَّف على قُبول الوَارث أو المُورِّث، ولا يَدخل عليه الرفضُ أو الرَّدُّ كما تُردُّ الوصيَّة بردِّ المُوصى له.
فالإرث اكتسابٌ إجباريٌّ ليس كبقيَّة الحُقوق مثل الهبة والنَّفقة وغيرها، حيث إنَّ المِلك نوعان؛ الأول اختياريٌّ، والآخر قهريٌّ، والإرث يَدخل في النَّوع القهريّ أيّ الاضطراريّ؛ فلا يَحقُّ بناءً على ذلك أن يَردَّ الوَرثة الميراث المَفروض لهم، لأنَّه يدخل في مِلكه من غير إرادته، بل وحتَّى إن أراد أن يَهبه لأحدٍ ما، يُقتَطع نَصيبه ويُعطى إليه ثمَّ يقوم هو بالتَّصرف فيه هبةً أو تبرُّعاً، وذلك يعني أنَّ نصيبه يُحتسب في كل الأحوال وإن أراد التَّخلي عنه لاحقاً.
وقد تولّى الله -سبحانه وتعالى- تحديد نصيب كلِّ وارثٍ بنصوصٍ قطيَّعة الدَّلالة، وذلك حتّى لا يَأخذ أحدٌ حقَّ المرأة في الميراث أو يَتلاعب فيه، أو يتهرَّب أحدٌ من دفع حقِّ المرأة إليها، أو يَتحايل عليها في مِقداره، فيُلاحظ من سياق الآيات المتعلِّقة بالميراث أنَّ أغلب أصحاب الفُروض هم من النِّساء، وقد بيَّن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- أيضاً في العديد من الأحاديث حقُّ المرأة في الميراث ووجوب تَوريثها، مثل قوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حالة معينة من حالات الميراث: (أعطِهِما الثُّلُثَيْنِ وأعطِ أُمَّهُما الثُّمنَ، وما بقيَ فلَكَ)، فإنَّ حِرمان المرأة من الميراث يُعدُّ من إحياء سُنن الجاهليَّة والتي حذَّر منها الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وحذَّر منه العديد من الصَّحابة، مثل: زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب -رضيّ الله عنهما-، وتوعَّدوا بالعقوبة لمرتكبه، وعدُّوا حرمان المرأة من الميراث على أنَّه ضلالٌ، وتعطيلٌ لشرع الله -تعالى- وحُكمه.
نصاب المرأة في الميراث
الإرث نوعان: الإرث بالفَرض؛ وهي الأسهُم المُقدَّرة لأصحابها والمُثبتة في النُّصوص الشَّرعية، وهي ستّة: النِّصف، والرُّبع، والثُّمن، والثُّلثان، والثُّلث، والسُّدس، والنَّوع الثاني: الإرث بالتَّعصيب*؛ وهم العَصبات من الذّكور الذين يَرثون بعد أخذ النَّوع الأول نَصيبهم من الميراث، والنِّساء اللَّاتي يُورَّثن هنَّ سبع نساء كالتالي: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدَّة -أم الأم أو أم الأب-، والأخت -الأخت الشَّقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم-، والزَّوجة، والمُعَتقة، وقد تستحقُّ الأنثى النِّصف من الميراث في أربع حالات:
- الحالة الأولى: للبنت بشرطين؛ عدم وجود ذَكر من درجتها يُعصِّبها، وأن تكون واحدة؛ أي ليس معها أختٌ أخرى.
- الحالة الثانية: لبنت الابن -وإن نزلت في حال عدم وجود البنت- وبنفس الشُّروط السَّابقة.
- الحالة الثالثة: للأخت الشَّقيقة في حال عدم وجود البنت ولا بنت الابن وبنفس الشُّروط السّابقة.
- الحالة الرابعة: للأخت لأب؛ حيث إنَّها تأخذ النِّصف في حال عدم وجود البنت و بنت الابن والأخت الشَّقيقة وبالشُّروط السَّابقة نفسها.
وأمَّا فيما يتعلَّق بمقدار مِيراث المرأة؛ فيتنوَّع المِقدار بحسب تنوُّع أحوال المرأة؛ فقد يكون نَصيبها مساوٍ لنصيب الذَّكر تماماً في حال اجتماع الأخوة لأم والأخوات لأم، فعندها يَرثون جميعاً بالتّساوي بين الذَكر والأنثى، وقد يكون نصيبها مثل الرَّجل أو أقلَّ منه، كما في حالة وجود الأمِّ مع الأب إن كان مَعهما أولادٌ ذكور، أو ذكورٌ وإناث، فيكون عندها لكلٍّ من الأمِّ والأب السُّدس، وأمَّا إن كان مَعهما أولادٌ إناث فتكون حصَّة الأمِّ أقلُّ من الأب؛ بحيث تأخذ الأمُّ السُّدس، ويأخذ الأب السُّدس والباقي إن لم توجد عُصبة.
وقد يكون نَصيب المرأة نِصف نَصيب الرَّجل وهذه هي أغلب الحالات؛ كالأخت مع أخيها الذّكر، والحِكمة من ذلك واضحةٌ جليَّة؛ إذ إنَّ الميراث جاء مساويّاً للالتزامات والأعباء المالية المُلقاة على كلٍّ من الذَّكر والأنثى، ومن المعلوم أنَّ المرأة ليس عليها شيء، فهيَ لا تُنفق على زوجها ولا على أولادها، بل حتَّى نفقتها الشَّخصية لا تَجب عليها، وفي المقابل نرى أعباء الرِّجال الماليَّة تتعدَّد لتشمل المَهر، والسَّكن، والنَّفقات الزوجيَّة، ونفقات الأولاد، والدِّيات وغيرها.
تكفّل الإسلام بحقوق المرأة
تكفَّل الإسلام بحقوق الأفراد جميعاً مهما تنوَّعت صفاتهم، أو أجناسهم، أو أعراقهم، فهو دينٌ شُموليٌّ، ومن هذا الشمول تكفُّل الإسلام بحقوق المرأة ؛ حيث أثبت الله -سبحانه وتعالى- أنَّ للمرأة العديد من الحُقوق مثلُها مثل الرَّجل في العديد من الآيات الكريمة، ومنها قوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ)، فإنَّ الأفضيلة عند الله -سبحانه وتعالى- في التَّقوى لا في جِنس الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، حيث يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). ومن الحقوق العديدة التي أُثبتت للمرأة حقُّ الميراث، حيث أثبت الإسلام حقَّ المرأة في الميراث بعد أن كانت مَحرومةً منه في الجاهليَّة، فأصبحت جزءاً من الميراث الذي يتمُّ تقسيمه بعد وفاة الميِّت.
الحكمة من ميراث المرأة في الإسلام
إنَّ تشريع الإسلام لحقِّ المرأة في الميراث له العديد من الحِكم، نوردها فيما يأتي:
- تكريم المرأة والتَّأكيد على إنسانيَّتها، حيث إنَّها والرَّجل خُلقا من نَّفس واحدة، وهما سواء في الكرامة والحقوق والواجبات، والمرأة أهلٌ لاستحقاق الحقوق مثلها مثل الرَّجل، ومن ذلك حقُّها في الميراث.
- تمكين الإنسان من القيام بمُهمات الخلافة على الأرض، والمال جزءٌ من الإمكانيَّات التي تساعد على القيام بهذه المهمّة، ويتساوى في هذا الذَّكر والأنثى.
- إشباع غريزة التَّملُّك التي فُطر عليها النّاس جميعاً، ذكوراً وإناثاً، مصداقاً لقوله -تعالى-: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا).
- تمكين المرأة من قضاء حوائجها من خلال نصيبها من الميراث.
- اقتصار الميراث على الذّكور دون الإناث يُولّد الشُّعور بالعَظمة والتَّسلط عند الذَّكور، والإحساس بالدُّونيَّة والظُّلم لدى المرأة، فجاء الإسلام ليُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ويَضع الأمور في نِصابها الصَّحيح، ويسدُّ الباب أمام هذه المشاعر المذمُومة.
- تكفُّل الله -سبحانه وتعالى- ببيان حقِّ المرأة في الميراث، وبيان مِقداره بالتَّفصيل، فيه سدٌّ لباب التَّهاون والتَّلاعب بالحِصص ومقاديرها، وتخويفٌ للعباد لحثِّهم على إعطاء المرأة حقَّها في الميراث.
- توزيع الميراث على أصحابه يتضمَّن توزيعه على أماكن عدَّة، ومنع حصر الثَّروات بيد فئةٍ محدودةٍ أو طبقةٍ معينَّة من النَّاس.
- تحقيق معاني التَّكافل العائليّ، وطمأنة من سَيرحل أنَّ المال سيتمُّ قسمته بالعدل ، ممَّا يمنع التَّنازع والبَغضاء بين أطراف العائلة الواحدة، بحيث يُعطَى كلُّ شخصٍ حقَّه ولا يبقى أيُّ طرفٍ محرومٍ منه.
- يضمن للأنثى مستقبلها، فهيَ أضعف جسديَّاً من الرَّجل، وقد لا تستطيع كَسب رزقها بكلِّ الأعمال كما الرَّجل، وفي الميراث ضمانٌ لها.
- يُساعد المال لبدء حياة جديدة، وفي الميراث إعمال لسُنّةٍ من سُنن الحياة، وهي نقل الأموال من الأجيال السَّابقة إلى الأجيال اللاَّحقة، فإنَّ أولاد المتوفِّي سواءً كانوا ذكوراً أم إناثاً سينطلقون لبناء أجيالٍ لاحقةٍ، وهم مُقبلون على حياة جديدة، وكلا الطَّرفين يحتاج إلى وجود المال.
________________________________________
* التعصيب: هو الإرث من غير تقدير، فليست للعصبة تحديدٌ مسمّى في الإرث؛ كالنصف أو الربع أو الثلث وغيره، وإنما يأخذون ما أبقى ذوو الفروض، وهذا باختصار، وتفصيل ذلك في كت الفقه.