حديث عن القوة
حديث عن القوة
جاء عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- العديد من الأحاديث التي تتحدَّث عن القوة، وتحُثُ عليها، كقوله: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ).
وفيه دِلالةٌ على الترغيب في أن يكون المسلم قوياً في دينه؛ لأنَّ وصف القوة يعود على ما سبقه وهو المؤمن، فالمؤمن قويٌ في إيمانه ، أي: في إيمانه النابع من قلبه من خلال كثرة أدائه للأعمال الصالحة.
والمؤمن الذي يكون كذلك هو خيرٌ من المؤمن الضعيف، مع عدم نفي الخير عن المؤمن الضعيف، ولكن جاء في الحديث من باب المُفاضلة، وليحثّ المؤمن الضعيف على الحرص على زيادة قوة إيمانه، قال الله -تعالى-: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَى).
وهذا من الأساليب اللُغويّة ويُسمّى بالاحتراز؛ وهو أن يتكلَّم الشخص كلاماً يوهم منه معنىً لا يقصده، فيأتي بعدها بكلامٍ يُبيّن المعنى المقصود، وورد هذا الأسلوب في الكثير من الآيات، كالآية التي تمَّ ذكرها في السابق.
وجاء في شرح الحديث السابق أنَّ القوَّة المقصودة في الحديث هي قوَّة الإيمان وليس قوَّة البدن والجسم؛ لأنَّ قوَّة الجسم قد تكون سبباً في ضرر صاحبها إن استعملها في المعصية.
ووصف النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- المؤمن الضعيف بالخير؛ لئلا يتوَّهم البعض أنَّ الضعيف من المؤمنين لا خير فيه، بل هو خيرٌ من غير المؤمن. ومن الأمثلة على القوَّة: الشخص الذي يُجالس الناس ويصبر على أذاهم، ويُعلّمهُم الخير، ويُرشِدُهم إلى الهداية، فهو خيرٌ من الشخص الذي لا ينفع غيره ويِفرّ منهم.
ويشمل معنى القوة في الحديث كذلك على قوّة البدن إذا سخّرها المسلم للخير والأعمال الصالحة، فقوّة البدن لا تكون محمودةً في ذاتها، لأنّها قد تُسخَّر من أجل البطش بالناس، وإرادة الإيذاء والضرر بهم، فهي محمودة حينما تكون وسيلةً لتحقيق رضا الله -تعالى-.
وقد تحدّث الإمام النووي -رحمه الله- عن معنى القوة في الحديث بأنّها العزيمة، والإقدام في مواطن الجهاد، وطلب العدو، وهي العزيمة كذلك في مواطن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنشاط في طلب العبادات؛ من صلاة، وصوم، وأذكار، والصبر على الأذى والمشاقّ في سبيل الله.
سبب تفضيل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف
فضّل الله ورسوله المؤمن القوي على المؤمن الضعيف للعديد من الأسباب، ومنها ما يأتي:
- العزيمة شرطٌ لِقبول التوبة، وتوفيق الله -تعالى- للعبد، كما أنَّها دليلٌ على حُسن الظن بالله -تعالى-.
- المؤمن القوي عنده العزيمة والقوّة لترك المعاصي، والإقبال على الطاعات، فيُحقّق بذلك التقوى، لِقولهِ -تعالى-: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، كما أنه يكون بعيداً عن الشيطان ووساوسه.
- المؤمن القويّ يقوم بنفع نفسه وغيره؛ كأهله وأُمته، والمؤمن الضعيف مُقَصّرٌ بحقِّ نفسه وبحقِّ غيره، وقد يكون في بعض الأحيان كاسراً للحقِّ وأتباعه، وعاجزاً عن نُصرته، بخلاف المؤمن القوّي الذي يكون ناصراً للحقِّ وأهله.
- المؤمن القوّي يُقدم بعزم على ما ينفعه في آخرته، ويكون قوياً في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، كما أنّه يكون قوياً في أدائه للعِبادات؛ كالصلاة، والحجّ، وعند أدائه للنوافل التي تكونُ زيادةً على الفرائض، وهو قويّ الصبر على المصائب التي تُصيبه، وقويّ عند جِهاده لأعدائه، أمّا المؤمن الضعيف فيكونُ مُقصراً في عباداته وطاعته لربِّه، ويكون مُقصراً في تركه للمُحرمات.
اشتراط القوة فيمن يلي أمر المؤمنين
لا يجوز أن يتقلّد أمر المسلمين إلا من توفّرت فيه القوة بقسميها: البدنيّ، والمعنويّ، و ذلك لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أبي ذرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- قال: (قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، ألَا تَستعمِلُني؟ قال: فضرَب بيَدِهِ على مَنْكِبِي، ثمَّ قال: يا أبا ذَرٍّ، إنَّكَ ضعيفٌ، وإنَّها أمانةٌ، وإنَّها يومَ القِيامةِ خِزيٌ وندامةٌ إلَّا مَن أخذَها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها).
وقد دعا الإسلام إلى كلّ ما يحقق القوّة بشقّيها، قال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)، فأمر بكلّ ما يدعو لعلوِّ الهمّة، وثبات الكلمة؛ من طاعة الإمام في الجهاد، وتوصية المسلمين بالتقوى، وأخذ العهود منهم على الثبات وعدم الفرار من ساحة المعركة.
وهذا بدوره يحقّق القوة المعنوية، أمّا القوّة البدنية فتتحقّق بالإعداد الجيّد للقتال؛ من توفير الأسلحة، والتدرّب على استعمالها، وإعداد الجيوش والإنفاق في تعليمهم فنون القتال، ومكائد الحروب وخدعها، كما نَبَذَ الإسلام كلّ ما يدعو إلى التكاسل، والتخاذل، ودُنُوِّ الهمة.
أسباب قوة المؤمن
توجد العديد من الأسباب التي تؤدِّي إلى القوّة في إيمان الشخص، ومنها ما يأتي:
- الأخذ بأسباب القوة، ومنها ما يأتي:
- قوة العقيدة: فالعقيدة الإسلامية هي الأساسٌ في دعوة جميع الأنبياء -عليهمُ السلام-.
- الوحدة الإسلاميّة: وهي من أهمِّ عوامل القوّة عند المؤمنين، وبِالمُقابل نهى الإسلامي عن الفُرقة والتنازع لما في ذلك من إضعاف قوَّتهم، لِقولهِ -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
- القوة العسكريّة: لِقولهِ -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
- القوة الاقتصاديّة: وذلك من خلال التوجيهات الإسلاميّة في إعمار الأرض، والسعي إلى الكسب الحلال، فهي عَصَبُ الحياة وقِوامها، ومن أهمِّ العوامل لقوة الدعوة الإسلاميّة.
- القوة السياسيّة: فهي القوّة التي تحفظ للدولة الإسلاميّة كيانها وهيبتها، وهي سببٌ للحِفاظ على مُكتسباتها.
- القوة الإعلاميّة: لما في ذلك من قوةٍ تعين على دُخول الناس في الإسلام بغير قِتال أو حرب، كما أنها من وسائل وأنواع الجهاد: الجِهادُ باللسان أو الكلمة، وقد أثنى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على حسان بن ثابت -رضي الله عنه- في جهاده بالكلام.
- العلم والبصيرة، والخوف من الله -تعالى-، والإقبال عليه، واستحضار عظمته، والإكثار من الأعمال الصالحة التي تدفع صاحبها نحو القوّة والخير، والابتعاد عن المعاصي.
- استشعار قوّة الله -تعالى-، وعزّته، وحكمته، الأمر الذي يؤدّي بالمؤمن إلى شُعوره بالعزَّة والقوّة في مواجهة خُصومه وشهواته.
- التوكُّل على الله -تعالى-، وحُسن الظنِّ به، والدُعاء، وصدق توجُّه العبد إلى خالقه، والاقتداء بأولي العزائم ومُصاحبتهم، لِقولهِ -تعالى- لنبيه -عليه الصلاةُ والسلام-: (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، والسعي إلى الأُمور بعزيمة وأخذها بجديّة، مع الثبات للتغلُّب على الصُعوبات التي تواجه المؤمن.