حديث الآحاد
تعريف حديث الآحاد
الآحاد في اللُّغة بمعنى الواحد، وخبر الواحد: هو ما يُروى عن شخصٍ واحِد، وأمّا في الاصطلاح: فهو الحديث الذي لم تتوفر فيه شُروط الحديث المُتواتر، وسُمّي بهذا الاسم؛ لِقلّة عدد رواته بالنسبة إلى الحديث المُتواتر، واتّفق جُمهور العُلماء على قبوله إذا توافرت في رُواته العدالة والضبط، وأن يكون إسنادهُ مُتصلاً، وأن يكون الخبر سالماً من الشُذوذ والعِلل.
وخبر الواحد لا يُفيد العلم بنفسه، أو يُفيدهُ من خلال القرائن المُحيطةُ به، وهو قول الجُمهور، في حين ذهب الإمامُ أحمد وداود الظاهريّ إلى أنّه يُفيد العلم بنفسه، وقيل: إنه يُفيد العلم الظاهريّ، ويُعدُّ حديث الآحاد من القسم الثاني من حيث تقسيم الأحاديث بالنسبة إلى عدد رواته، وعرّفه بعض العلماء بأنه الحديث الذي فقد شرطاً من شُروط الحديث المُتواتر، وعرفه آخرون بأنّه الحديث الذي لم يصل إلى حد التواتر.
أقسام حديث الآحاد
يُقسم حديث الآحاد إلى قسمين، وبيانُهما فيما يأتي:
- القسم الأول: من حيث قلّة عدد الرواة وكثرتهم: ويُقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي:
- الحديث المشهور: وهو ما قلّ عدد رواته عن درجة المتواتر ولكن لم ينزل في أي طبقةٍ من طبقاته عن ثلاثة، وسُمّيَ بذلك؛ لانتشاره وشُهرته، ويُشار إلى أنه قد يزيد رواته في بعض طبقاته عن ثلاثة، ولكن يُشترط فيه أن لا يقل في أي طبقةٍ من طبقاته عن الثلاثة.
- الحديث العزيز: وهو ما قلّ عدد رواته في بعض طبقاته إلى اثنين فقط.
- الحديث الغريب : وهو ما قلّ عدد رواته في بعض طبقاته إلى راوٍ واحد، كحديث (الأعمال بالنيات)، فإنه لم يصح إلا من طريق عُمر بن الخطاب، وورد عن الإمام الترمذي قوله: "حديثٌ صحيحٌ غريب، أو حديثٌ صحيح حسنٌ غريب".
- القسم الثانيّ: من حيث القبول والرد: حيث إن خبر الواحد قد يكون صحيحاً أو حسناً، وهو النوع المقبول؛ أي ما ذهب الجُمهور إلى وُجوب العمل به، أو ضعيفاً وهو المردود، وذلك بحسب القرائن المُحيطة به، وأمّا أقسامه فهي كما يأتي:
- الصحيح لذاته: وهو الحديث الذي اتّصل سنده برواية العدل الضابط، وكان ضبطه ضبطاً تاماً، من غير علةٍ فيه أو شُذوذ.
- الصحيح لغيره: وهو الحديث الذي تكون الشُروط فيه أخفّ من شُروط الصحيح لذاته، وينجبر هذا النوع بكثرة الطُرق.
- الحسن لذاته: وهو الحديث الذي تكون الشُروط فيه أخف من شُروط الحديث الصحيح لغيره، ولم ينجبر بكثرة الطُرق.
- الحسن لغيره: وهو الحديث الذي يتوقّف فيه إلا أن تظهر أحد القرائن تُرجّحه، كحديث الراوي المستور الحال إذا تعدّدت طرقه.
- الحديث الضعيف: وهو الحديث الذي لا يتوفر في صفات الحديث الصحيح والحسن، وهو النوع المردود؛ لِسقُوطٍ في السند، أو للطعن في أحد الرواة.
حجية خبر الواحد
تعددت آراء العُلماء في حُجّية حديث الآحاد بحسب ما يُحتجّ به، وبيانُ ذلك كما يأتي:
- في الأحكام: ذهب أكثر الفُقهاء والأُصوليين إلى حُجيّته ووجوب العمل به، وعلى هذا الرأي الأئمة الأربعة والسّلف والتابعين ومن بعدهم، ومن الأدلة على ذلك قولهِ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، حيثُ توعّد الله -تعالى- من يقوم بكتمان البينات التي أُنزلت، فيجب على الواحد الإخبار بما سمع، ويجب العمل بما أخبر به إذا كان عدلاً.
- واستدلّوا أيضاً بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، فدلّت الآية على التثبُت عند رواية الفاسق، فإذا كان الخبر منقولاً من العدل وجب قبوله، وغير ذلك من الأدلة من القرآن، واستدلوا كذلك باعتماد النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على الواحد في التبليغ؛ كبعثه لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى اليمن لتعليمهم السُنة والإسلام، بالإضافة إلى إجماع الصحابةُ الكِرام على قبول خبر الواحد والاحتجاج به، فقد جاء عن أبي بكر -رضي الله عنه- توريث الجدة السُدس وكان ذلك بخبر الواحد، ونقل عدد من العُلماء هذا الإجماع، كابن قُدامة، والغزاليّ، وغيرهم.
- في العقائد: اتّفق المُحدثون والفُقهاء والأُصوليين على حُجيّة خبر الواحد في العقائد، حتى وإن كان رواه واحدٌ ولم يروهِ غيرُه، واستدلوا بإرسال النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- الرُّسل إلى البلاد، وتكليف الناس بتصديقهم؛ كبعثه مُعاذ إلى اليمن ودعوته للناس إلى الشهادتين، ونقل عدد من العلماء إجماع الصحابة على ذلك، وعدم ثُبوت رفضه عندهم، وقد ذهب بعضُ العُلماء إلى عدم الأخذ بخبر الواحد في العقيدة؛ لأنها تُبنى على اليقين والقطع.