حدائق بابل المعلقة
حدائق بابل المعلقة
هي إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، بناها الملك نبوخذ نصر الثاني، وقد كانت تدلّ على قدرةٍ عجيبةٍ في خلقِ بيئةٍ خضراء نباتيّة رائعة الجمال في قلبِ منطقة صحراوية جافّة، وكأنّه خطّط ضدّ قوانين الطبيعة كلّها، وقد قال عنها المؤرِّخ الإغريقي هيرودوت حين زارها: (إنها لا تضاهيها في عظمتها وسعتها مدينة أخرى)، ولقد قام ببنائها لزوجته سيمراميس تعبيراً عن احترامه لها؛ حيثُ قالت الأسطورة أنّ زوجته اشتاقت لرؤية مناظر الغابات والورود التي اعتادت رؤيتها في موطنها، ولأجلِ ذلك بُنيَت هذه الحدائق، وقد تمّ بناؤها بعد احتلال الملك نبوخذ نصّر لفلسطين ؛ وكان ذلك عام 600ق.م.
وصف حدائق بابل المعلقة
تعد حدائق بابل المعلقة من أجمل الصروح البشرية التي تم إنتاجها على مرّ التاريخ، وهي مشكّلة من أربعة أفدنة على هيئة شرفات مُعلّقة على أعمدة ترتفع عن سطح الأرض بمقدار 75 قدماً، ويتوافر بها ثماني بوابات أفخمها وأشهرها بوابة عشتار الكبيرة، كما يحيط بها خندق مائي كبير كان يُستخدم لردع الأعداء والجيوش الغازية، وقد يتوهّم الكثيرُ أنّ حدائق بابل مُعلّقة بالفضاء؛ إلّا أنها في الحقيقة ليست كذلك، فقد سُميّت بحدائق مُعلّقة لكونها قد نمت وترعرت على شرفات القصور والقصور الملكيّة ببابل بحوالي 600 قدم؛ ممّا جعلها تبدو من بُعد كأنها مُعلّقة. كانت الحديقة تمتلىء بشتى أصناف الخضراوات والزهور والأشجار المثمرة المزروعة فوقَ طبقةٍ كبيرةٍ من التربة التي خطّت طريقها في المدرّجات الصخرية راسمةً بذلك منظراً خلاباً زاهياً يُدخِل البهجة والسرور إلى كل من نظر إليها.
كيفية ريّ النباتات
كانت تُروى الأزهار والنباتات المزروعة في شتى أنحاء الحدائق من خلال مضخّات لولبيّة موضوعة على نهر الفرات، وقد اتّبعوا طريقة السّقاية الهيدروليكية في ذلك، وكانت هذه الآلات المستخدمة في الرّي بحد ذاتها مذهلة؛ حيثُ عُرف أهل بابل في ذلك الحين ببراعتهم في الهندسة والطب والفلك.
موقع حدائق بابل المعلقة
إنّ معضلة الحدائق المعلقة تكمن في عدم العثورعلى دليل أو أثر لها، وبالرغم أن الملك نبوخذ نصر الذي كان يبالغ في الحديث عن إنجازته ووصفها؛ إلا أنّه لم يتطرق أبداً للحديث عن الحدائق المعلقة أو زوجته المزعومة ميديا، وعلاوةً على ذلك لا يتوفر أي دليل يبرر قدرته على القيام بعملٍ جلل كالحدائق المعلقة؛ لذا اقترح عدة مؤرخين حديثين أنّ الحدائق المعلقة، إما نسجٌ من الخيال أو أنّها تقع في موقع آخر وأنّ المؤرخين القدامى قد اختلطت وتشابهت عليهم الأحداث فراحوا يكتبون خليطاً من المعلومات غير المتجانسة وحاكوها بقصة رومانسية من نسيج الخيال، وقد تكرر حدوث مثل هذه القصص من قبل في التاريخ.
قامت الاختصاصية في جامعة أكسفورد الدكتورة ستيفاني دالي بالتأكيد على وجود الحدائق المعلقة فجأةً، ونفت أن تكون القصة نسيج من الخيال أو ما شابه عام 2013م؛ من خلال كتابها المشهور والمُسمى بلغز جنائن بابل ، مثيرةً بذلك ضجة كبيرة في العالم. أشارت الدكتورة ستيفاني دالي في كتابها إلى حقيقة وجود الجنائن المعلقة فعلاً، ولكن ليس في مدينة بابل وإنما في مدينة نينوى الآشورية، وقامت بالإجابة على جميع الأسئلة حول هذا الموضوع، وتطرّقت للأدلة التي تثبت صحة ما ترمي إليه، وفي ما يلي تسلسل هذه الأدلة التي تثبت آشورية الحدائق المعلقة كما جاءت بها:
- وصل تقليد الجنائن إلى الآشوريين من السومريين الذين عرفوا الحدائق قديماً، ولكنها كانت دوماً صغيرة المساحة؛ إذ قام الحاكم تكلاثبيليسير (1114 ق.م – 1076 ق.م) بإحضار نباتات من خارج البلاد وقام بزراعتها لديه.
- قام بعد ذلك آشورناصربال (883 ق.م – 859 ق.م) بزراعة عدة نباتات أجنبية في حديقة قصره بلغ عددها 39 نبتة، وقام حينها بدعوة سكان مدينته لحضور افتتاح حديقته.
- قام الحاكم سرجون الثاني الذي امتدت فترة حكمه من 722ق.م. الى 705ق.م بعمل حدائق صغيرة معلّقة في قصره.
- جاء بعد ذلك ابن سرجون الثاني والمُسمّى سنحاريب -والذي امتدت فترة حكمه حكم من 705ق.م. إلى 681ق.م- بإقامة شبكة كبيرة جداً من الجسور والقنوات بطول بلغ 80 كم؛ بهدف إيصال المياه إلى نينوى وما يجاورها من بلدات ومزارع على مدار العام، وجاء ذلك حلاً لمشكلة نقص المياه في الصيف الحار.
- بلغ ارتفاع الجسور التي شيّدها سنحاريب 9م للجسر الواحد، وكانت هذه الجسور مبنية على أقواس صخرية، وجَرَت المياه فيها على طبقة من الخرسانة بسمك 40 سم. قام سنحاريب بوصف ما شيّده من الجنائن والجسور وصفاً دقيقاً، بل ورسمها وأورد أسماء أنواع النباتات المزروعة فيها لا سيما الغريبة منها.
- ذكر سنحاريب أيضاً كيفية دفعه السخي لأجور العاملين على بناء ما قام به، وكان قد أعلن حينها عن ولعه وحبه لزوجتيه المتتاليتين.
- لقد كان ما قام بتشييده سنحاريب معجزةً حقيقية بالنسبة لمقاييس زمنه؛ إذ قام باستخدام كوادر فنية وهندسية محلية تتمتّع بخبرات متراكمة على مدى قرون لإنشاء معجزة هندسية في العالم آنذاك.
- لقد عُرف عن الآشوريين فلسفة حكم تحاكي المعجزات وتستحق الاحترام الجلل؛ فالملك هو حامي كل المواطنين من ضعفاء ومزارعين وحرّاثين، وفارض لهيبة الدولة ونظامها وقانونها، وكان الملك عندهم هو المسؤول عن جميع المشاريع الزراعية؛ إذ كانت شغله الشاغل وهمه الأكبر؛ كونها تساعد في رفع وتحسين المستوى المعيشي لمواطنيهم وتسهل حياتهم.
- قام الآشوريون بتطوير أنفسهم في مجال الهندسة والتعلم من غيرهم، وكان نتاجاً لذلك أن كانت الأقواس الصخرية، والخرسانة، والبطارية، وحلزون الماء من اختراعهم، وعلاوةً على ذلك فقد استعملوا نظرية فيثاغورس في عملهم، وكان الانضباط والتفكير العلمي منهجاً أساسياً مرافقاً لجميع أعمالهم وسبباً قوياً لنجاحهم.