حادثة انشقاق القمر
معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم
ميّز الله تعالى بعض رُسله بميزةٍ خاصّةٍ خصّهم بها عن باقي الأنبياء والرسل؛ فمثلاً نبيّ الله إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام- هو خليل الرحمن، حيث اصطفاه الله بتلك الميزة وفضّله بها عن غيره، ونبيّ الله موسى -عليه الصّلاة والسّلام- هو كليم الله؛ فقد اصطفاه الله بتكليمه له، ونبيّ الله عيسى -عليه الصّلاة والسّلام- أعطاه الله عدّة صفاتٍ لا توجد في غيره؛ إذ أنّه يُبرئ الأكمه والأبرص ويقوم بإحياء الموتى بإذن الله تعالى، وله العديد من المزايا والصفات الأخرى، أمّا نبيّ الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- فقد جمع الله تعالى له مزيّةً كلّ نبيّ، فهو خليل الرحمن، وقد كلّمه الله واصطفاه عندما عُرج به إلى سدرة المنتهى ، وأجرى على يديه بإذنه علاج الأكمه والأبرص، بل وتفوّقت معجزات النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- على معجزة نبي الله عيسى عليه السّلام؛ وذلك بأن أحيا الله له من لا روح فيه أصلاً، فسلّم عليه وحاوره، كالحجر الذي كان يُسلّم عليه في مكّة ، وبكاء جذع الشجرة؛ حنيناً إليه -عليه الصّلاة والسّلام- عندما فارقه، ومعجزة القرآن الكريم الخالدة إلى يوم القيامة، وغيرها الكثير من المعجزات التي أيّد الله بها نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وفي ما يأتي حديثٌ عن معجزةٍ من معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ وهي حادثة انشقاق القمر، وتأييد العلم الحديث لهذه الحادثة.
حادثة انشقاق القمر
حادثة انشقاق القمر من المعجزات التي أيّد الله بها نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم، وهي حادثةٌ انشقّ القمر فيها إلى شقين، حتى أنّ بعض الصحابة رأى جبل حراء بين هذين الشقين، وكان وقوع هذه المعجزة قبل هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة؛ وذلك عندما طلب كفّار مكّة من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- آيةً تدلّ على صدق دعوته ونبوته؛ كما جاء في الحديث النبويّ الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه: (أنَّ أهلَ مكَّةَ سألُوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُريَهُم آيَةً، فأراهُمُ القمَرَ شِقَّينِ، حتى رأوْا حِراءً بَينهُما)، وتعتبر هذه المعجزة إحدى علامات الساعة التي أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بوقوعها؛ فقال: (خمسٌ قد مَضَيْنَ: الدخانُ، والقمرُ، والرومُ، والبطشةُ، واللِّزَامُ، فسوف يكون لزاما)، وورد ذكر هذه الحادثة أيضاً في القرآن الكريم مقروناً باقتراب الساعة ، فقال الله سبحانه وتعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)، أمّا بالنسبة للمشركين؛ فقد كان موقفهم كما هو معهودٌ منهم تجاه ما يأتيهم به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من التكذيب والإعراض، ووصف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالسحر.
موقف المشركين من حادثة انشقاق القمر
منذ بداية بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمشركون يسعون للحدّ من وصول دعوته إلى الناس، مستخدمين لأجل هذه الغاية شتى الأساليب، فكان من أساليبهم؛ السخرية والتكذيب، والاستهزاء بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وبرسالته، ورميه بشتى التهم وتحذير الناس منه، ومطالبته بالإتيان بالمعجزات التي تثبت صدق دعوته ونبوته، مظهرين له استعدادهم أن يتبعوه ويؤمنوا به إذا جاءهم بما طلبوا، وفي الحقيقة هم يريدون بطلبهم تعجيزه ـصلّى الله عليه وسلّم- وإيقاعه في الحرج، وقد فضحهم الله تعالى وأخبر بنواياهم، فقال الله سبحانه وتعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ* مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)، ومع كثرة سؤالهم أن يريهم آيةً، استجاب الله لطلبهم، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا جبل حراء بينهما، وبالرغم من عِظم هذه المعجزة إلا أنّ قلوب المشركين جعلتهم لا يؤمنون، بل واتهموا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالسحر، قال ابن كثير رحمه الله: (إنّ فيما اعترض به المشركون على رسول الله ـصلّى الله عليه وسلّم- وما تعنتوا له في أسئلتهم إياه أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه طلب الهدى والرشاد).
العلم الحديث وحادثة انشقاق القمر
أظهرت الدراسات العلمية الحديثة التي أجريت على سطح القمر، أنّه يوجد على سطح القمر شبكة عنكبوتيّةٌ من الصدوع والشقوق والشروخ الغريبة، وأنّه في فترةٍ لاحقةٍ من الزمن أغرقت الحمم البركانية مناطق منخفضةً في الجزء الخارجي لسطح القمر، وقامت بتغطية الشقوق (الصدوع)، كما وقد أثبتت الدراسات التي أجراها العلماء على تلك الصدوع والأودية الموجودة على سطح القمر، والتي قامت بها وكالة ناسا؛ أنّها تكوّنت نتيجة حدوث كسرٍ وشقٍّ حصل في القمر، وتبيّن لهم وجود صدوعٍ كبيرةٍ على سطحه، ممّا يؤيّد حصول حادثة انشقاق القمر ويؤكّدها علمياً.
التوثيق التاريخيّ لحادثة انشقاق القمر
سجّل التاريخ البشريّ في الهند اسم مَلِكٍ من الملوك في الهند يُدعى: (جاكرواني فرماس) وقد ذكرت المخطوطات التاريخيّة الهنديّة القديمة مشاهدته لحادثة انشقاق القمر ومعاينته لها في تلك الفترة، وممّا جاء في تلك المخطوطة على لسان صاحبها: (شاهد ملك ماجبار "مالابار" بالهند (جاكرواني فرماس) انشقاق القمر، الذي وقع لمحمّدٍ -يعني النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم- وعلم عند استفساره عن انشقاق القمر بأنّ هناك نبوءةً عن مجيء رسولٍ من جزيرة العرب، وحينها عيّن ابنه خليفةً له، وانطلق لملاقاته)، فالمخطوطة تكشف شهادةً موثقة تاريخياً لأحد الملوك الذين عاينوا حادثة انشقاق القمر ورأوها.