ثنائية الدال والمدلول عند دي سوسير
مفهوم ثنائية الدال والمدلول عند دي سوسير
يرى دي سوسير أنّ اللغة عبارةٌ عن رموز يُشكلها ما سمّاه بالدال والمدلول، أما الدال فهو الأصوات الإنسانية التي تخرج من الإنسان بأيّة لغةٍ كانت فلفظ (عصفور) هو الدال عند سوسير، والمدلول فهو الصورة الذهنية التي تتشكل في الذهن إثر سماع الصوت، فعند سماعك كلمة عصفور يتشكل في ذهنك صورة لمخلوقٍ صغيرٍ طائر.
باجتماع الدال والمدلول تتشكل لدينا اللغة التي في حقيقتها -حسب تعبير سوسير-، فهي أداة رمزية للتواصل، إذ يعتبر سوسير اللغة رموزًا صوتيةً تُشكّل الصورة الذهنية وشأنها كغيرها من الرموز؛ كالإشارة الضوئية واللافتات وغيرها، فكل كلمة تكون رمزًا تتشكل من الدال (اللفظ) والمدلول (الصورة الذهنية)، فالدال هو الشكل والمدلول هو المعنى، ولا يُمكن وجود الشكل إلّا بوجود معنى له.
يرى سوسير أنّ العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية بمعنى أنّه لا يُوجد علاقة محددة تربط بين الدال والمدلول، سواء كانت عقليةً منطقيةً أو شعوريةً معنويةً، ففي كلمة عصفور لا يُمكن أن يعني حرف العين الرأس والصاد الجناح والفاء الصدر والواو الأرجل والراء الذيل، فالعلاقة ليست واضحةً وإنّما حكمها العرف، فالطفل ينشأ في بيئة تطلق على هذا الطائر هذا اللفظ ويلتقطه ليكون رمزه في التعبير عن هذا الطائر.
بالسير على هذه الثنائية تكون اللغة أداةً رمزيةً للتواصل، تُشكلها رموز هي الكلمات وبارتباطها مع بعضها تشكل المعنى العام المراد للتواصل، والاختلاف بين هذه الرموز يُشكل المعنى، فكلمة سِتارة بانتظام حروفها بهذه الطريقة تُشكل المعنى الذي يختلف عن معنى نافذة، وتختلف عن معنى سيارة، ولا يُوجد ضابط منطقي لهذه التفرقة سوى العُرْف، الذي ارتضى هذا التسلسل للأصوات للدلالة على هذه المعاني.
تأثر ثنائية الدال والمدلول عند دي سوسير وتأثيرها
مع ظهور نظرية داروين في تطور الأنواع، أصبحت النظرة إلى اللغة على أنّها كائن حي شأنها شأن بقية الكائنات الحيوانية لها تطور وعمر، ودراسة اللغة ليست بمنأى عن هذا التأثر ففكرة (الاختيار الأعمى) في النظرية أثرت في فكرة اعتباطية اللغة، لتظهر لدينا هذه الثنائية، كما أنّها تأثرت بالفلسفة، فثنائية الدال والمدلول موجودة في الفلسفة.
أما تأثيرها فكان على مستوى المناهج اللسانية سواءٌ بشكل مباشر أو غير مباشر، فتأثيرها المباشر كان في ظهور المنهج الرمزي في دراسة اللغة الذي تعامل مع اللغة على أنّها رمزية، كما كانت لبنةً في بناء المنهج البنيوي، الذي يُعتبر سوسير الأب المؤسس لهذا المنهج.
كما أنّ تأثيرها غير المباشر كان في ظهور المنهج الدلالي، فهذا التقسيم ناقص، فالدال هو الرمز والمدلول هو المعنى وباجتماعهما يتشكل لدينا الدلالة والتي تكون المعنى الذي يُوصله المتكلم إلى المخاطب، فسوسير اهتم بالدال والمدلول وأهمل الدلالة، فجاء بعده الدلاليون ليهتموا بها ويظهر لدينا المنهج الدلالي في دراسة اللغة.
ثنائيات سوسير في اللسانيات
كان لكتاب ( محاضرات في اللسانيات العامة )، والذي ألّفه عالم اللغويات فرديان دي سوسير، صداه الكبير على البحث اللغوي، حيث كان فاتحة الدراسات اللغوية الحديثة أو ما يُعرف باللسانيات، وقد عمد سوسير إلى تقسيمات ثنائية لمصطلحات اللغة والبحث اللغوي، وكان من بين هذه الثنائيات ثنائية الدال والمدلول.