ثلاثة لا تقربهم الملائكة
ثلاثة لا تقربهم الملائكة
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثرَ من روايةٍ عن يذكر فيها الأشخاص الذين لا تقترب منهم الملائكة ، فقال -صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا تقربُهم الملائكةُ: جيفةُ الكافرِ، والمتَضَمِّخُ بالخَلوقِ، والجنُبُ إلا أن يتوضّأَ)، ويجدر بالذّكر إلى أنّ السّكران من الأصناف الذين لا تقربهم الملائكة، وقد ورد ذلك في حديثٍ آخر سيأتي بيانه، وفيما يأتي شرحٌ لهذا الحديث وللأصناف الذين ذُكِروا فيه.
جيفة الكافر
يُقصد بجيفة الكافر ميتته أو جُثّته، أي الشخص الذي مات على الكفر، حيث لا تقرب ملائكة الرحمة جثّته، فالملائكة الذين ينزلون بالرحمة، والبركة، والخير، ويطوفون بين الناس ويستمعون لمجالس الذِّكر لا يقتربون من جُثَّة الشخص الذي مات على الكفر، ولا يحضرون جَنازته، بل يقترب منه ملائكة العذاب، وقد قال بعض العلماء إنَّ المراد بذلك ذاتُ الكافر سواء في حياته أو بعد مماته، فهو بعيدٌ عن الرحمة ، وسُمّي في مماته جِيفة لقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ)، ويجدر بالذّكر أنّ ملائكة الموت والملائكة الذين يسألونه في القبر وملائكة العذاب لا يدخلون في معنى هذا الحديث.
المتضمّخ بالخَلوق
إنَّ الملائكةُ لا تقتربُ من الرَّجلِ المُتَضَمِّخِ بالخَلوق؛ وهو الرجل الذي يَستكثرُ من وضع الطِيب الذي له صبغٌ يُتَّخذ من الزعفرانِ وغيره حتى يَقطر منه، ومعنى المتَضمِّخ من الضَّمخِ، أي التلطُّخ والإكثار حتى يَقطر منه، والخَلوق بفتح الخاء هو الطِيب والصّبغ المأخوذ من الزعفران وغيره، فقد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الرِّجالَ عن فعل ذلك، لأنَّه يعتبرُ تشبّهاً بالنّساء ، ولمخالفته لسنّة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
الجنب حتى يتوضأ أو يغتسل
إنّ الملائكةُ لا تقترب من الجُنب ، ويُقصد به في هذا الحديث الذي يَقضي أغلب أوقاته وهو جُنُب، فلا يَغتَسِل إن أصابته جَنابة، أو يَتهاون بذلك، وتفوته الصلوات ولا يَهمُّه الأمر، ويتَّخذ ذلك عادة، لأنَّ ذلك يدلُّ على نقص دينه وخبثه، والجُنابة هي أمرٌ يُصيب البَدن يُمنع بسببه الصلاة، سواء كان ذلك بسبب الجِماع أو بسبب نزولِ المَنيّ، قال الله -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا).
أمّا الوضوء المذكور في الحديث فيعني الوضوء الشرعيّ؛ أي الاغتسال حتى يصبح قادراً على أداء الصلاة، فإذا فعل ذلك لم تنفر منه الملائكة، ويُقاس على هذا أيضاً النّفَساء أو الحائض التي انقطع الدّم عنها ولم تغتسل لوقتٍ دون عذر، فلا تقربها الملائكة حتى تغتسل. ويجدر بالذكر أنّ الملائكة لا تبتعد عن الجنب الذي ليس من عادته تأخير الغسل ولا تبتعد عن بيته كذلك، فالمقصود هو من يتعمّد تأخير الغسل لفترة طويلة دون عذر، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يُؤخِّر الغسل قليلاً، ولكنَّ ذلك لا يَطولُ حتى يَمرّ وقتُ الصلاة، فقد صحَّ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه ذُكر عنده رَجل كان يؤخّر الغسل بعض الشيء، وكانت عائشة -رضي الله عنها- جالسة، فقال النبيّ: (إنِّي لأَفْعَلُ ذلكَ، أنا وهذِه، ثُمَّ نَغْتَسِلُ).
السّكران
يوجد صنفٌ آخر لا تقربه الملائكة، وقد ذُكر في حديثٍ صحيحٍ بمتنٍ آخر، فقد روى ابن عبّاس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ثلاثةٌ لا تقربُهم الملائكةُ: الجنُبُ، و السَّكرانُ، و المتَضَمِّخُ بالخَلوقِ)، فهذا الصنف هو السكران ، وهو الشخص الذي تَسبَّب في ذَهاب عقله بتناول المُسكر عمدًا، فسَكِرَ باختياره ولم يكن مجبراً على ذلك، فلا تقربه الملائكة طالما هو في حالة السّكر ولم يَفق.
الملائكة التي لا تقرب الأصناف الثلاثة
إنَّ للملائكة أعمالٌ مُتعدِّدة، فليس كلُّ الملائكةِ مختصُّون في نفس الأعمال، بل لكلِّ عملٍ ملائكةٌ مختصةٌ فيه، فجبريل -عليه السلام- كان هو الملك الذي يُنزل التشريع على الأنبياء -عليهم السلام-، وهناك ملائكة الجبال، وملائكة المطر، وملائكة الجنَّة، وملائكة النَّار، وملائكةٌ مختصةٌ بقبضِ أرواحِ الناس، وملائكةٌ للرحمة، وغيرهم الكثير، فمن الملائكة من هم ملازمون للإنسان؛ وهم الملائكةُ الكَتَبَة الذي يُسجّلون كلَّ ما يفعله العبد من أعمالٍ في الخير والشَّرِّ، فهذا النوع من الملائكة ليس معنيٌ في الحديث، بل إنَّهم لا يفارقون الإنسان لأي سبب كان.
وإنِّما يبتعد عنهم الملائكة الذين يَطوفون بين الناس لحمايتهم، والاستماع لمجالس الذِّكر، والذين يَدعون للناس، ويَنزلون بالرحمة والبركة والخير لهم، فهذه الملائكة لا تقترب من هؤلاء الأصناف الثلاثة، فملائكةَ الرحمةِ هم الملائكةُ الذين لا يَقتربون من الأصناف الثلاثةِ السابقةِ الذكر، أمَّا ملائكةُ الموت فيستلمون الرُّوح من الجسد، ويأتون للعبد سواءً الكافر منهم أم المؤمن، حيث يقبض ملك الموت روحه من جسده، ثم يُسلمها إلى ملائكة الرَّحمة إن كان مؤمناً، وإلى ملائكة العذاب إن كان كافراً.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ المؤمنَ إذا احتُضر أتتهُ ملائكةُ الرحمةِ بحريرةٍ بيضاءَ فيقولونَ: اخرُجي راضيةً مرضيًا عنكِ إلى رَوْحٍ وريحانٍ وربٍّ غيرِ غضبانٍ فتخرج ُكأطيبِ ريحِ مسكٍ حتى إنهم ليناوِلُه بعضُهم بعضًا يشمُّونهُ حتى يأتوا به بابَ السماءِ فيقولونَ: ما أطيبَ هذهِ الريحِ التي جاءتكُم من الأرضِ، وكلما أتَوا سماءً قالوا ذلكَ، حتى يأتوا بهِ أرواحَ المؤمنِينَ فلهُمْ أفرحُ بهِ من أحدِكمْ بغائبِهِ إذا قدِم عليهِ، فيسألونَهُ: ما فعل فلانٌ؟ قال: فيقولونَ: دعوهُ حتى يستريحَ فإنه كان في غمِّ الدنيا، فإذا قال لهم: ما أتاكُم فإنهُ قد ماتَ، يقولونَ: ذُهبَ به إلى أمهِ الهاويةِ، وأما الكافرُ فإنَّ ملائكةَ العذابِ تأتيه فتقولُ: اخرُجي ساخطةً مسخوطًا عليكِ إلى عذابِ اللهِ وسخطهِ فتخرجُ كأنتنِ ريحِ جيفةٍ، فينطلقون بهِ إلى باب الأرضِ فيقولون: ما أنتنَ هذه الريحِ، كلما أتَوا على أرضٍ قالوا ذلك حتى يأتوا بهِ أرواحَ الكفارِ).