تفسير قول الله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم)
تفسير قول الله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم)
نص الآية الكريمة
قال -تعالى-: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وهذه الآية وردت في سورة البقرة ؛ في الآية رقم (224)، وقد نوهت إلى أمر عظيم بيانه فيما يأتي.
شرح الآية (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم)
ورد في تفسير الحسن لهذه الآية الكريمة أنّه قال: "كَانَ الرجل يُقَال لَهُ: لم لَا تبر أَبَاك أَو أَخَاك أَو قرابتك أَو تفعل كَذَا لخير؟!، فَيَقُول: قد حَلَفت بِاللَّهِ لَا أبره، وَلا أَصله، وَلَا أصلح الَّذِي بيني وَبَينه -يعتل بِاللَّهِ- فَأنْزل اللَّه: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيمانكم)؛ يَعْنِي: الْحلف؛ أَي: لَا تعتلوا بِاللَّهِ"، والمعنى من ذلك أيّ لا تجعلوا الحلف بالله -تعالى- مانعاً من البرّ و الإحسان ، والعرضة هي كل ما يمنع الشيء ويعترضه.
وعن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإمارَةَ، فإنَّكَ إنْ أُعْطِيتَها عن مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإنْ أُعْطِيتَها عن غيرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عليها، وإذا حَلَفْتَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَكَفِّرْ عن يَمِينِكَ، وأْتِ الذي هو خَيْرٌ).
وقد ورد أنّها نزلت في عبد الله بن رواحة، "كَانَ لَهُ ختن على ابْنَته، فَحلف أَن لَا يبره؛ فَإِذا قيل لَهُ: أَلا تصل ختنك؟ فَقَالَ: حَلَفت وَكَانَ من أقربائه فَنزلت الْآيَة: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا)، وقيل إنّ معناها عدم الإكثار من حلف اليمين، كما أنّ الله -تعالى- قد ذمّ مَن يُكثر الحلف ، قال -تعالى-: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ).
تعريف اليمين ومشروعيته
يطلق لفظ اليمين في اللّغة على عدة معان منها: القسم، الجهة اليمنى، اليد المنى، البركة، والقوة، وأمّا في الاصطلاح فهو توكيد حكم ما يراد إثباته؛ بذكر أمر معظم، وبصيغة معينة؛ بحيث تظهر للآخر أهمية ذلك.
وقد جاءت مشروعية اليمين في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)، وفي السنة النبوية الشريفة فقد جاء عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْواهُمْ، لادَّعَى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأَمْوالَهُمْ، ولَكِنَّ اليَمِينَ علَى المُدَّعَى عليه).
أنواع اليمين
يقسم اليمين إلى ثلاثة أنواع، نذكرها فيما يأتي:
- يمين اللغو
وقد وردت في قوله -تعالى-: (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)، والمقصود به اليمين الذي يسبق اللسان إلى الحلف به دون نية أو قصد، وهذا لا كفارة عليه باتفاق الفقهاء مع التنبيه إلى ضرورة عدم الإكثار من الحلف بالله -تعالى-.
- اليمين المنعقدة
وقد ورد نوعها في الآية السابقة مقابلة ليمين اللغو؛ وهي اليمين المكتسبة أو المؤكدة، والمقصود بها اليمين التي يكون صاحبها قاصداً ومؤكداً لما يحلف عليه في المستقبل، أيّ مع نيّة عقدها في قلبه وهذا اليمين عليه كفارة وجوباً لمن يحنث به.
- اليمين الغموس
والمقصود بها اليمين التي يكذب بها صاحبها على أمر؛ سواء حدث في الماضي أو المستقبل مع تأكده وقصده للكذب، وهذا اليمين حكمه عند الشافعية وجوب الكفارة، وعند الجمهور أنّ صاحبها آثم، وعليه التوبة إلى الله -تعالى- و الاستغفار .