تفسير سورة ق
تفسير وشرح سورة ق
تناولت سورة ق في آياتها موضوعات تتحدَّث عن أصول العقيدة، من التوحيد والبعث والنبوة والنشور، إضافة إلى أنَّها ذكرت إنكار المشركين للبعث والنشر وإعادة الحياة، وسُمِّيت سورة ق بسبب افتتاحها بأحد أحرف الهجاء حرف قاف، وهي سورة مكيّة، وعدد آياتها خمس وأربعون آية.
الثناء على القرآن الكريم و ذكر دعوى المشركين
قال الله -تعالى-: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ* بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ* أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ* قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ* بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ).
بدأت الآيات الكريمة بقسم الله -عزَّ وجلَّ- بالقرآن الكريم، ثمَّ تحدَّثت عن موقف الكفار عندما جاءهم رسول منهم يُنذرهم بالبعث، فبيّنت كيف تعجَّبوا، وكيف أنكر الله -تعالى- تعجُّبهم وإنكارهم، حيث يظنَّون أنَّ إعادة أجسادهم على هيئتها أمر مستحيلٌ بعيدٌ لا يقدر الله -تعالى- عليه، ثم أخبر الله -تعالى- بأنه عليم مُحيط بكلِّ شيء، وهذا موجود عنده في كتاب حافظ لهذه التفصيلات كلّها؛ الكليات والجزيئات والأشكال والألوان ونحوها.
بيان مظاهر قدرة الله في الكون
قال الله -تعالى-: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ* وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ* وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ* رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)،
في هذه الآيات الكريمة وبَّخ الله -عزَّ وجلَّ- الكفار لأنَّهم لم ينظروا إلى ما خلق في هذا الكون؛ كالسماء كيف بناها ورفعها فوقهم، وأحسن منظرها وأنارها وزيَّنها بالنجوم والكواكب، وكيف بسط الأرض، وخلق فيها الجبال الثابتة التي لا تتحرَّك مع الرياح، وكيف أنبت فيها من كلّ الأصناف المختلفة في اللون والحجم والشكل.
وكلّ هذا لتذكير عباده المنيبين إليه الراجعين له، وذكرت الآيات الكريمة مظاهر أخرى من قدرة الله في خلق الكون، حيث أنزل الماء من السماء ليُنبت الأشجار القائمة في البساتين، والزروع التي تُحصَد، والنخل العالي، وخصَّ النخيل بالذكر لأنَّها أشرف الأشجار، وما ذلك كلُّه إلاّ رزق للعباد، وفضل من الله وعطاء لهم، وإحياء للأرض الميتة.
ذكر المكذبين من الأمم السابقة وما حلَّ بهم
قال الله -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ* أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).
ذكرت الآيات الكريمة بعض الأمم السابقة الذين كذبوا بالله؛ كقوم نوح، وأصحاب الرّسِّ، وقوم ثمود، وعاد، وفرعون، وإخوان لوط وهم أهل سدوم، وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب، وقوم اليماني وهم تبَّع، ثم ذكرت أنّ الوعيد الذي وعدهم الله به حقَّ عليهم بسبب تكذيبهم وكفرهم، ثمَّ قال الله -عزَّ وجلَّ-: هل عجزنا عن خلقهم أوّل مرّة حتى يشكُّوا بقدرة إعادتهم مرَّة أخرى.
سكرة الموت وما يتبعها
تحدّثت الآيات الكريمة (16-34) عن سكرة الموت وما يتبعها إلى يوم القيامة ، وفيما يأتي ذكر أبرز موضوعاتها:
- إنَّ الله -عزّ وجلّ- هو خالق الإنسان وهو العالم به وبأحواله وبما في صدره، وهو أقرب إلى الإنسان من العرق الموجود في نحره، فيجعل الإنسان يشعر بمراقبة الله له.
- إنَّ أعماله كلّها من حسنات وسيئات يسجّلها كلٌّ من الملكين المتواجدين عن يمينه وشماله.
- إذا جاءت ساعة الموت فلا مخلِّص ولا منجِّي منها، فلا تتأخر عنه.
- تحدثت الآيات عن يوم الحساب اليوم الذي يلحق المؤمنين والكافرين بما وعدهم الله من ثواب أو عقاب، فتأتي كلُّ نفس مع من يسوقها ويشهد على أعمالها من خير أو شرّ.
- يكشف الله يوم القيامة عن الكافر غطاء قلبه الذي كان سبب إعراضه، فيقول للملائكة الذين وكّلهم الله بحفظ الأعمال أنْ يُحضروا ذلك.
- الذي يستحقُّ النار كلُّ كافر وعنيد يمنع الخير، ويتعدَّى حدوده، والشاكُّ في وعد الله، المشرك فيه، وهنالك يقول يتبرّأ الشيطان من الإنسان الذ اتّبعه.
- يقول الله -تعالى- لهم لا فائدة من اختصامكم، فقد أرسلت عليكم رسلي بالبينات والبراهين والحُجج.
- إنَّ الله -تعالى- لا يظلم عباده بل يُجازيهم بما عملوا من خير أو شرّ.
- يخوِّف الله عباده في قوله: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ)، وذلك لكثرة الذين أُلقوا فيها ومع ذلك ما زالت تطلب المزيد، ووعد الله -تعالى- أن يملأها بالإنس والجنِّ الذين طغوا وكفروا.
- تحدَّثت الآيات عن الجنّة وما فيها من نعيم ممّا تشتهي الأنفس التي أعدها لعباده الراجعين إليه الخاشين له، فيدخلوها سالمين من كلّ شرّ خالدين فيها.
مواساة الرسول الكريم
قال الله -تعالى-: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ* وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ).
خاطب الله -عزّ وجلّ- نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمره بالصبر على ما يقوله المشركون واليهود، وأمره أن يُسبِّحه وينزِّهه -جلَّ في عُلاه- عند كلِّ صلاة، وفي هذه الآية إشارة إلى أوقات الصلوات الخمس.
صيحة الحق وما يتبعها من بعث وحساب
قال الله -تعالى-: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ* يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ* إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ* يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ* نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ).
تتحدَّث هذه الآيات عن صيحة الحقِّ يوم ينادي الملك إسرافيل، وينفخ في الصور من مكانٍ قريب من الخلق، فيستمع كلَّ الخلائق للصيحة التي لا شكَّ فيها، فيخرجوا مسرعين من قبورهم بعد أن تتشقق عنهم الأرض إلى موقف القيامة.
وكلُّ ذلك يكون هيناً يسيراً على الله، ويُخاطب الله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في آخر الآيات بأنَّه -سبحانه- يعلم ما يقولون له وما يحزنه، فأمره بالاطمئنان والتأسِّى بأولي العزم، كما أمره أن يُذكّر من يخاف من وعيد الله.