تفسير سورة سبأ
استحقاق الله للحمد
فالله -تعالى- مستحقٌّ للحمد في الدنيا والآخرة، ولديه العلم المطلق بما في السموات والأرض، كما في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ).
الرد على منكري البعث
وهذا الموضوع تناولته الآيات من (3-30)، وهو مقسَّمٌ إلى عدَّة جوانب، على النحو الآتي:
قسم الرسول بربه على قيام الساعة
كما في قوله تعالى: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ)، والحديث عن جزاء المؤمنين المتمثّل بالجنّة، والعذاب المُوجع لمن صدّ عن سبيله.
استهزاء الكافرين بالرسول
فأشاروا إلى أنّ الرسول بإخبارهم عن قيام الساعة لا يخلو من أمرين: إما أن يكون قد تعمّد الافتراء على الله تعالى، أو أنّه لبس عليه كما يلبس على المجنون، كما في قوله تعالى: (أَفْتَرَى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ).
ذكر معجزات أنبياء الله داود وسليمان
أخبر تعالى عما أنعم به على داود -عليه السلام- من الفضائل والنعم؛ مثل أنّه إذا سبح سبحت معه الجبال، ووقفت له الطيور، ولأن الحديد له؛ كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ).
وذكر الله ما أعطى سليمان من تسخير الريح له، وإذابة النحاس له، وتسخير الجنّ يعملون بين يديه بإذن ربّه: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ).
تهديد المشركين بمصير الأمم السابقة
ومنهم قوم سبأ، وكانوا في نعمة واتساع في أرزاقهم: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ)، وكان لهم وادٍ يمتلئ كلّ عامٍ لسقي جنّاتهم، فلما أعرضوا أرسل الله عليهم الجرذ، فحفرت السدّ، وغرقت أراضيهم، وجعل بينهم وبين أرض الشام قرى متصلة، يسيرون فيها أياماً وليالي آمنين، فملوا النعمة، وظلموا أنفسهم بشركهم، فجعلهم الله أحاديث لما بعدهم؛ بإهلاكه لقريتهم، وأكل التراب لعظامهم؛ كما في قوله تعالى: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
إبطال الشرك بالله
فالأصنام التي يعبدونها لا تملك مثقال ذرَّةٍ: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)، والله تعالى متفرِّدٌ بالإلهيّة كما هو متفرِّدٌ بالخلق والرزق؛ والذي يعترفون بأنّه من عند الله: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّـهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
الرد على الكفار في تكذيبهم الرسل
وهذا القسم يشتمل على تفسير الآيات من (31-54) وهو مقسَّمٌ على عدّة جوانب، على النحو الآتي:
بيان ميعاد المستعجلين بالعذاب
وذكر الله حالهم في ذلك اليوم، كيف يرجع بعضهم إلى بعض، ويقول الأتباع للقادة أنكم حلتم بيننا وبين الإيمان ، وزينتم لنا الكفر: (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)،ويقول القادة للأتباع أن الجميع مختارون للإجرام، ولستم مقهورين عليه: (بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ)، ويقول المستضعفون للقادة: بل ما وصلنا إليه هو من إضلالكم، إذ حسنتم لنا الكفر، فزال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض؛ لينجوا من العذاب.
بيان حال الأمم الماضية المكذبة للرسل
إن اللّه إذا أرسل رسولاً في قرية من القرى كفر به مترفوها، وقالوا أن الذي أعطانا الأموال والأولاد في الدنيا، سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة، ولا يعذبنا: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، فأجابهم اللّه تعالى، بأنّ بسط الرزق ليس دليلاً على ما زعمتم، فالرزق تحت مشيئة اللّه، وليست الأموال والأولاد بالتي تقرّب إلى الله، وإنّما الإيمان بما جاء به المرسلون، وأمّا الذين سعوا في آياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسلنا؛ والتكذيب فأولئك هم المعذبون.
سؤال الله الملائكة
سؤال الله الملائكة عن المشركين الذين يزعمون أنّهم يعبدونهم؛ ليقربوهم إلى الله، فتتبرأ الملائكة من ذلك: (قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم).
بيان حال المشركين عندما تتلى عليهم آيات الله
فهم يكذبونها، ثمّ يقولون إنّ ما جاء به الرسول ما هو إلّا باطلٌ، وأنّ القرآن ما هو إلا سحرٌ بيِّنٌ ظاهرٌ: (إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)، وتكمل الآيات خطابها: قل يا أيها الرسول، لهؤلاء المكذبين، إنّما أنصحكم بخصلةٍ واحدةٍ: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ)، بأن تقوموا بهمَّةٍ لله، وتستعملوا فكركم في أحوال رسولكم، هل هو مجنون؟ فإن اتبعتم هذه الموعظة؛ أدركتم أنّ الرسول ليس بمجنونٍ؛ لأنّ هيئته أفضل الهيئات.
بيان نزاهة الرسول
يبيّن الله تعالى نزاهة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أخذه أجرًا مقابل دعوته: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ)، كما ويخبر أنّه إن ضلّ، وحاشاه من ذلك، فإنّما يضلّ على نفسه، وإن اهتدى فليس ذلك من حوله وقوته؛ إنّما بما يوحي إليه ربّه.
وصف حال المشركين
حين رأوا العذاب، وقالوا في تلك الحال، آمنا بالله ولكن أنّى لهم الإيمان؛ فقد حيل بينهم وبينه: (وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)، و حيل بينهم وبين الشهوات ، كما الأمم السابقين، حين جاءهم الهلاك.