تفسير سورة المزمل للاطفال
إرشاد النبي للبدء بالدعوة
الآيات العشرة الأولى تدعو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليبدأ دعوته للنّاس، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
- قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)
يأمر الله -سبحانه وتعالى- نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- المتغطي في فراشه أن يقوم اللّيل يتعبّد، فيصلي ويقرأ القرآن مرتلاً مجوداً على مهل حتى يتفهّم معانيه، وقد حدد له فترات طويلة للقيام تبلغ نصف اللّيل أو أقل أو أكثر، حتى تصل إلى ثلثيه، وقد فعل ذلك -صلّى الله عليه وسلّم-.
- قال -تعالى-: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)
القول الثقيل هو تكاليف الدين الشاقة على النفس؛ كالصيام، والصلاة، واجتناب الحرام ، وغيرها، فهي ثقيلة على النفس ولكنّها تثقل الميزان يوم القيامة، وفي الآية إشارة إلى ثقل نزول الوحيّ على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- قال -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)
أي إنّ قيام اللّيل وخصوصاً الذي يُنشأ بعد النوم أقرب لحدوث الخشوع و الإخلاص ، وفهم لمعاني التلاوة، ويساعد في ذلك هدوء اللّيل.
- قال -تعالى-: (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا)
أ ي إنّ لك في وقت النهار أن تسعى على شؤون حياتك.
- قال -تعالى-: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)
أي عند انشغالك بتحصيل متطلّبات الحياة لا يكون ذلك شاغلاً لك عن الله -سبحانه وتعالى-، بل لا بدّ من أن تداوم على ذكره -سبحانه وتعالى- في كل أحوالك وكل أوقاتك.
- قال -تعالى-: (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا)
ربك -سبحانه وتعالى- الذي تذكره، وتقوم له اللّيل أهل لذلك وهو الجدير به، فهو الذي يملك المشرق والمغرب، ومَن هذه صفته فهو أهل لتتوكّل عليه في كل شؤونك.
- قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)
تبيّن هذه الآية الكريمة أنّ مَن يسلك طريق الدعوة سيصاب بالأذى، وهي تدعو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليصبر على ذلك، وأن يداريهم ويتمهّل عليهم.
ذكر صنوف العذاب المعدّة للكافرين
قال -تعالى-: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا* إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا* وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا* يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلً).
يهدّد الله -سبحانه وتعالى- كبراء قريش المكذّبين الأغنياء المنعمين في الدنيا، فسيمهلهم فترة قصيرة من الزمن، ثم يحل بهم العذاب في الدنيا، وقد حدث في معركة بدر الكبرى وغيرها، وأمّا في الآخرة فالعذاب أشد.
حيث أعد لهم -عز وجل- قيوداً عظيمة ثقيلة يقيدون بها، وناراً ملتهبة، وطعاماً كريهاً غير مستساغ يغصُّون به من شوك من نار، وعذاباً مؤلماً لا يذكر صفته، وسيأتي هذا العذاب يوم القيامة ، يوم تتزلزل الأرض وتهتز اهتزازاً عنيفاً بجبالها، وتصبح الجبال بالرغم من صلابتها تلالاً من الرمل المتناثر.
قصة فرعون موسى وعقابه
قال -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا*فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا). يُنذر الله -سبحانه وتعالى- بأنّه أرسل إليهم رسولاً شاهداً على أعمالهم كما أرسل موسى -عليه الصّلاة والسّلام - إلى فرعون، فكذّب فحلّ به العذاب الشديد، فلا تفعلوا ما فعله فرعون فتكون نتيجتكم مثل نتيجته.
تخفيف الله على عباده في قيام الليل
قال -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
في هذه الآية الكريمة يبيّن الله -سبحانه وتعالى- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والصّحابة -رضوان الله عليهم- قد التزموا قيام معظم اللّيل عملاً بالأمر الإلهي في بداية السورة، فجاءت هذه الآية لتنسخ الحكم في حق الصحابة، فخفّفت عنهم، وقبلت منهم أن يقوموا بما تيسّر لهم من قراءة القرآن ، وأبقت على فرضيّة القيام في حقّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.