تفسير سورة المزمل
شرح آيات سورة المزمل
سورة المزمل سورة مكية عدا الآية الأخيرة منها وهي آية (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ)، وعدد آياتها عشرون آية، والراجح في سبب نزول سورة المزمل حسب قول الجمهور هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بجوار غار حراء فرفع رأسه فرأى جبريل جالساً على كرسي بين السماء والأرض، فرجع إلى أهله فقال: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، فنزل قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ).
والغرض من سورة المزمل هو تهيئة النبي -صلى الله عليه وسلم- للدعوة.
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ...وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
تفسير هذه الآيات:
- (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ):
المزمل: معنى التزمل هو الإلتفاف بالثوب، والمقصود بالمزمل؛ هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخطاب موجه له من الله -تعالى-، حيث جاء أهله وهو يقول: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، حين نزل عليه الوحي أول مرة، ولم يكن قد قام بالتبليغ وبالدعوة.
- (قمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا):
حيث كان قيام الليل فريضة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان فريضة على النبيين، وإلا قليلا تعني إلا شيئاً يسيراً تنام فيه؛ وهو ثلث الليل.
- (نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا):
والمقصود من الآية هو قم نصف الليل إلا قليلاً، أي انقص من نصف الليل قليلاً.
- (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً):
أو زد على نصف الليل بالقيام، واقرأ القرآن بالترتيل على مهل دون تعجل، والمقصود من الآيات هو ترك الحرية للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقوم نصف الليل كاملاً، أو ينقص من نصف الليل إلى الثلث، أو أن يزيد عليه.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
تفسر هذه الآية الكريمة على النحو الآتي:
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا): القول الثقيل: القرآن الكريم،و تفسير الآية أن القرآن الكريم ميسر للقراءة، لكنه ثقيل في أثره على القلوب، وثقيل في ميزان الحق، وثقيل بمعانيه الراقية وبقيمته الراجحة.
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ...سَبْحاً طَوِيلاً
تفسر هذه الآيات على النحو الآتي:
- (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا): ناشئة الليل: أوقات الليل وساعاته وهي بعد العشاء، أشد وطئاً: أكثر نيلاً من القلب، أقوم قيلاً: أصدق في التلاوة، وتفسير الآية أن أوقات الليل هي أشد وطأً للقلب بسبب فراغه، وبسبب هدوء الأصوات في الليل، ولكن هي الأصدق في التلاوة والأجدر في بعد الشيطان عنك حتى لا تلتبس عليك تلاوتك.
- (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا): سبحاً: فراغاً، أي إن لك في النهار فراغاً طويلاً لقضاء حوائجك.
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
تفسير هذه الآية الكرمية نبينه على النحو الآتي:
- (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا): تبتل إليه تبتيلاً: أخلص لله -تعالى- إخلاصاً، أي توجه إلى الله -تعالى- بالذكر، وبحضور القلب، والعبادة والتضرع إليه.
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ...وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً
تفسير هذه الآيات بيانه كما يأتي:
- (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا): لا إله إلا هو أي لا ينبغي أن يعبد سوى الله الذي هو رب المشرق والمغرب، فاتخذه وكيلاً: فوض إليه أسبابك فيما يأمرك به، وتفسير الآية أن الله رب المشرق والمغرب لا ينبغي أن يعبد أحد سواه، ولا إله إلا هو تفوض إليه أمرك وتكل إليه مهامك فإنه سيكفيها.
- (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا): الهجر الجميل: الإعراض عن مقابلة الأذى بأذى مثله، أي اصبر أيها النبي على الأذى والافتراء عليك، واهجرهم بالإعراض عنهم وعدم مكافأتهم بالمثل.
- (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا): يخاطب الله -تعالى- الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الآية ويقول له دعني والمكذبين أولي التنعم وهم صناديد قريش وتمهل عليهم قليلاً، فإن لي القدرة على الإنتقام منهم.
إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً...وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً
تفسير هذه الآيات على النحو الآتي:
- (إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا): أنكالاً: قيوداً، جحيماً: نار شديدة الحر، وتفسير الآية أن الله يتوعد لهم بالعذاب، فهم سيُقيدون ويحرقون في النار.
- (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا): ذا غصة: غير مستساغ، أي أن لهم طعام يغصون فيه فلا يستسيغونه، ولهم نوع آخر من العذاب وهو عذاب أليم لا يتصوره ولا يدركه أحد.
- (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا): كثيباً مهيلاً: منثوراً متفرقاً، تفسير الآية: يوم تضطرب الأرض وتهتز وتصبح الجبال الشامخة رمالاً متفرقة منثورة.
إنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ...فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً
تفسير هذه الآيات كما يأتي:
- (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا): تفسير الآية أن الله أرسل النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى قريش ليبلغهم الرسالة كما أرسل موسى -عليه السلام- إلى فرعون.
- (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا): وبيلاً: شديداً، أي كذب فرعون الرسول المرسل إليه ولم يؤمن، فعذبه الله عذاباً شديداً.
- (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا): تفسير الآية: كيف تتقون ولا تخافون العذاب يوم القيامة إن كفرتم بالله ورسوله، يوم يشيب الولدان وهو يقصد اليوم الآخر.
- (السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا): تفسير الآية: يوم تكون السماء متشققة لشدة أهواله، ووعد الله آت وسوف يأتي ذلك اليوم.
- (إِنَّ هَـذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا): تفسير الآية: وإن هذه الآيات تذكرة وعظة لكم، ومن أراد أن يؤمن ويتخذ إلى الله سبيلاً فإنه يستطيع بالتوبة، وإن الله أظهر إليه الحجج والدلائل.
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ
هذه الآية نزلت في المدينة حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يقومون الليل أو بعضاً منه قبل نزول هذه الآية، وكان بعضهم يقومون عملاً بالأمر الذي نزل أول السورة، فنزلت هذه الآية للتخفيف عنهم جميعاً، فتاب الله عليهم ونسخت هذه الآية الأمر الذي أنزله الله -تعالى- في أول السورة.
وقد علم الله -تعالى- أنه سيكون معهم مرضى لا يطيقون القيام، وسيكون هناك مسافرين تجاراً يبتغون الرزق من الله، ومجاهدين في سبيل الله فهم لا يطيقون القيام أيضاً، فعليهم قراءة ما تيسر من القرآن، وإقامة الصلاة وإتمامها لوقتها، وإيتاء الزكاة في محلها، وإقراض الله القرض الحسن بالأعمال الصالحة غير الصلاة والزكاة مثل صلة الرحم، والخير الذي يقدمونه سيجدون ثوابه في الآخرة.
سورة المزمل سورة مكية عدا آخر آية، والغرض منها هو تهيئة النبي -صلى الله عليه وسلم- للدعوة، وقد اقتضى هذا أمره بالصبر على المشركين وإنذاره لهم، وتذكيرهم بأهول يوم القيامة ومصير من كذبوا الرسل من قبلهم، والعذاب الذي ينتظرهم، ثم ذكر نسخ حكم قيام الليل من الوجوب إلى الندب، وأهمية إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأعمال الصالحة والثواب الذي سيجده المؤمن عند الله -تعالى-.
أثر سورة المزمل على المرء المسلم
إن لسورة التكاثر العديد من الآثار على حياة المسلم، ومن هذه الآثار:
- جاء في السورة الأمر بدوام إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإعطاء الصدقات.
- التذكيرالمسلمين بيوم القيامة وأهواله، حتى يزيدوا من فعل الطاعات.
- لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقد نسخ الله -تعالى- قيام الليل وأصبح نافلة بعد أن كان فرضاً لأن الله يعلم أن هناك أشخاصاً لا يطيقونه؛ فمنهم المرضى والمجاهدون وغيرهم.
- وعد الله -تعالى- المؤمنين بالجزاء العظيم على فعل الخيرات في الدنيا.
- قيام الليل لا يغني عن أعمال النهار وعباداته من صلاة وزكاة وغيرها.
- على الإنسان المبادرة إلى التوبة، فآيات سورة المزمل يجب أن تكون موعظة له.
- على الكافرين أن يتعظوا مما حل بفرعون وقومه عندما كذبوا رسول الله المرسل إليهم.
- التآسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام عندما امثلوا لأمر الله -تعالى- بقيام الليل، والحرص على قيام الليل ولو كان قليلاً، أو بمجرد صلاة ركعتين قبل آذان الفجر؛ حرصاً على نيل الأجر والثواب من الله -تعالى-.
تذكر سورة المزمل المسلم بعدد من الأمور أهمها: المحافظة على الصلاة والزكاة وسائر العبادات حتى ينال العبد رضى الله تعالى، وتذكره بأهوال يوم القيامة وعذاب المشركين، كما بينت حكم قيام الليل؛ فقد كان قيام الليل فرضاً ثم نسخ الحكم فأصبح مندوباً، وقد ظهر فيه رحمة الله بالأمة إذ خفف من الحكم لأنه رحيم ويعلم أنهم لا يطيقونه، وهذا هو الإسلام دين يسر ورحمة.