تفسير سورة القيامة للأطفال
قسم الله على بعث الإنسان
يُقسمُ الله ـسبحانه وتعالى- بالأمور العظيمة والمُهمَّة، وهنا في هذه السورة يقول الله -تعالى- (لا أُقسم)؛ بمعنى أنَّ الله العظيم يُقسم بيوم البعث؛ لشدَّته وهوله على النفوس، وتأكيداً على أنَّه آتٍ دون شكٍّ ولا ريب، كما أقسم -سبحانه- بالنفس اليقظةِ اللّوّامة التي تلوم صاحبها على ارتكاب المنهيّات، والتقصير في الطاعات، مذكِّراً بني البشرِ بإحياء هذه الصفة في نفوسهم.
أحداث يوم القيامة
إنَّ لِيوم القيامة عِدَّة أسماء، فقد سُمّي مثلاً: بالواقعة، والطّامة، والصّاخة، بسبب أحداثه المهولة الواقعة فيه، والتي يُذكِّر ويُنذر بها اللهُ عبادَه، من هذه الأحداث التي ذكّرت بهذه السورة: يَبرق البصر، فيزيغ ويتحيَّر، مدهوشاً مما يرى من تغير الكون، واجتماع الشمس والقمر، وذهاب نورهما، ويرى جهنّم لها زفير وشهيق، وتُقادُ بسبعين ألفِ سلسلة تجرُّها الملائكة، فحينها لا يبقى نبيٌّ ولا ملَكٌ إلّا ويقول: نفسي نفسي.
التعهد بحفظ القرآن من الضياع
تكفَّل الله ـ سبحانه ـ لنبيه الكريم وعباده أجمعين بحفظ كتابه من أن يحصُل فيه تحريف أو تبديل، يقول -تعالى-: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، أي: إنَّ الله أنزل القرآن الكريم وذكر فيه من المسائل الواضحات لِكُلّ شيء، وحافظون أي: حافظون له من التغيّر والتبديل والتحريف.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه، فأنزل الله -عز وجل-: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، قال: «جمعه في صدرك ثم تقرؤه»، (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، قال: "فاستمع له وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه).
حال المؤمن والكافر في الآخرة
ينقسمُ الناس يوم القيامة إلى فريقين: أهل سعادة وأهل شقاوة، فالوجوه الناضرة: وجوه أهل السعادة من المؤمنين المصدِّقين، مُشرقة مسرورة، قد حلَّت بها نضارة النعيم، ناظرة إلى جلال ربِّها الكريم، والوجوه الباسرة: وجوه أهل الشقاء من المنكرين والمكذّبين، تكون كالحة شاحبة، عابسة، تترقَّب حلول مصيبة عظيمة بهم تقصم فقرات ظُهورهم.
مظاهر قدرة الله في خلق الإنسان
لقد احتوى جسم الإنسان على صغره دلائلَ وبراهين قاطعة لا تنتهي أمام عظمة خلق الله للكون، وهذا يدلُّ على قدرة الله في إبداع الخلق وبعثه بعد الموت، يقول -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وفي "سورة القيامة" ذِكرٌ لبعض هذه الدلائل في قوله -تعالى-: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ)؛ أي: " نجمع عظامه، ونعيد أطراف أصابعه التي هي أصغر أعضائه، وأدقّها أجزاءً وألطفها التئاماً، فكيف بكبار العظام؟ وإنَّما ذكر الله -تعالى- البنان، وهي رؤوس الأصابع لما فيها من غرابة الوضع، ودقة الصُّنع؛ لأنَّ الخطوط والتجاويف الدقيقة التي في أطراف أصابع إنسان، لا تُماثلها خطوطٌ أُخرى من أصابع شخص آخر"، وهي البصمة للأُصبع.
معاني كلمات سورة القيامة
المفردات الغريبة الواردة في "سورة القيامة" مستفادة من كتاب السراج في بيان غريب القرآن ذكر معانيها فيما يأتي:
(بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ | أي التي تلوم صاحبَها يوم القيامة. |
(نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ | البنان هو رؤوس أصابع اليد. |
(لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ | بمعنى يُؤَخّر التوبة. |
(بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ | حارَ ودُهش وشَخَص عند الموت. |
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ | ذهب ضوؤه. |
(وجُمع الشمسُ والقمر) | قُرن بينهما في الطلوع من المغرب مظلمين. |
(كَلَّا لَا وَزَرَ﴾ | لا ملجأ. |
(أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ | ما يُعتذَر به. |
(جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) | جمْعه وضمَّه. |
(نَّاضِرَةٌ﴾ | مُشرقة حسنة. |
(بَاسِرَةٌ﴾ | عابسة مقطبة. |
(فَاقِرَةٌ﴾ | داهية تقصم فقارالظهر. |
(التَّرَاقِيَ﴾ | جمع ترقوة؛ وهي العظم المشرف على الصدر، أي: إذا بلغت الرّوح الترقوتين. |
(مَنْ رَاقٍ﴾ | أي: هل من طبيب يرقي من الموت؟ |
(الْفِرَاقُ﴾ | فِراق الدنيا. |
(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ | أي: آخر شدّة الدّنيا بأوّل شدة الآخرة. |
(المساق) | سَوق العباد للجزاء. |
(يَتَمَطَّى﴾ | يتبختر ويتكبّر. |
(أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) | تقال للتهديد والوعيد. |
(يُتْرَكَ سُدًى﴾ | مُهمَلاً دون حساب. |
(نُطْفَةً) و (عَلَقَةً) | تطور مراحل خلْقِ الجنين ونموه. |
ما يستفاد من سورة القيامة
يُستفاد من سورة القيامة العديد من الدروس والعبر، منها ما يأتي:
- الإيمان بالبعثِ والنشور ركن من أركان الإيمان، ودليل على إيمان الإنسان بقدرة الله على إعادة إحياء الناس، وهو الذي خلقهم أوّل مرّة.
- وجوب الاستعداد ليوم البعث وأهواله بالتقرب إلى الله -تعالى- بالأعمال الصالحة والطاعات الحسنة، ولوم النفس على تفريطها وتقصيرها في أعمال البرّ والخير.
- إن الله -عزّ وجلّ- الذي أنزل القرآن على نبيه -صلى الله عليه وسلم- قد تكفَّل بحفظه وحِفظ مَن يتعاهد أحكامَه وأوامره.
- ينقسم الناس يوم القيامة إلى فريقين؛ أناس خافوا الله في الدنيا وامتثلوا أمره، فأمَّنهم من فزع يوم القيامة، وأُناس كذَّبوا بالبعث والحساب، يُبعثون مذهولين مصعوقين من هول ذلك اليوم وشدَّته.
- ينبغي على الإنسان العاقل ألا يُؤثر الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، ويتذكَّر أنَّ الدنيا ليست بدارٍ للقرار، فيجتهد في التزام أوامرِ ربِّه حتى يكون من الفائزين بالنظر إلى وجه خالقه الكريم.
ملخّص المقال: يُقسم الله في مطلع السورة الكريمة بيوم البعث والحسب (يوم القيامة)؛ لشدّته وعظم الأهوال فيه، ثمّ يبيّن شيئاً من هذه الأهوال الشديدة، وانقسام الناس لفريقين؛ مؤمن فائز، وكافر خاسر، وذكّرت السورة الكريمة بمظاهر قدرة الله وإبداعه في خلق الإنسان، وحفظ القرآن من أي تبديل، ومأهمّ ما يستفيده المؤمن من السورة؛ دوام الاستعداد للقاء الله في اليوم الآخر، ومراجعة النفس ومحاسبتها باستمرار.