تفسير بسم الله الرحمن الرحيم
شرح (بسم الله الرحمن الرحيم)
تتردّد البسملة على لسان الناس، كبيرهم وصغيرهم، فإذا ما همّ المسلم بأمرٍ فإنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وإذا ما أراد تلاوة القرآن فإنه يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد اشتملت البسملة على معانٍ عظيمة، لذا على المسلم المحافظة على ترديدها وفهم معناها ومكنوناتها لاستشعار أثرها.
وفي ترديدها اقتداء حسن بسيدنا محمد صلى الله عليه والسلام واستنان بفعله وقوله، يقول الإمام الطبري: "إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَدَّبَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْلِيمِهِ ذِكْرَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَمَامَ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَجَعَل ذَلِكَ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ سُنَّةً يَسْتَنُّونَ بِهَا، وَسَبِيلاً يَتَّبِعُونَهُ عَلَيْهَا".
وجدير بالذكر أنه قد شُرع للعبد أن يُبسمل عند قراءة كل سورة من كتاب الله تعالى، والبسملة قبل السور سنة مستحبة، إلا عند قراءة سورة التوبة فإنه لا يُبسمل.
وعلى ذلك يكون المعنى الإجمالي للبسملة هو: أبدأ ببسم الله تعالى قبل ما أقول وأفعل، مستعينًا به على ذلك أن يشملني برحمته التي وسعت كل شيء. وفيما يأتي جُملة مع المعاني التفصيلية والدقيقة لِما اشتملت عليه البسملة:
شرح (بسم الله)
تبدأ البسملة بحرف جر جاء بمعنى الاستعانة، والاسم: لفظٌ جُعل ووضع ليكون علامة على مُسَمَّى يُسمى به ليعرف ويتميز عن غيره، فنحن عندما نقول: (بسم الله)؛ فهذا دلالته أننا نسأل الله ونستعين به.
ولفظ الجلالة "الله" اسم علم من أسماء الله تعالى يُعرف به، ويطلق للتعظيم وللهيبة وللقوة، وحاصل المعنى هو: أستعين باسم الله تعالى العظيم.
وتكون بحسب ما أراد القارئ أو الفاعل، فإذا أراد القيام؛ فقوله بسم الله يعني: أستعين بالله تعالى على قيامي، وكذلك الجلوس والأكل وسائر الأفعال، وإذا أراد تلاوة القرآن فقوله بسم الله؛ أي أقرأ ببسم الله تعالى وأابتدئ قراءتي متبركًا باسم الله ومستعينًا به.
شرح اسمي الله (الرحمن الرحيم)
الرَّحْمَنِ: "اسم من أسماء الله تعالى مشتق من الرحمة، ويعني كثير الرحمة"، والرَّحِيمِ: اسم وصفة لله تعالى مشتق من الرحمة، ومعناه: ذو الرحمة العظيمة على عباده في الدنيا والآخرة، ومن تعريفهما يتبيّن الفرق بينهما، ففي قولنا "الرَّحمن" صيغة مبالغة، على وزن فعلان.
أما الرحيم فهي على وزن فعيل، ويرى الكثير من العلماء أنّ الفرق بينهما هو أنّ الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، ومعلوم فى العربية أنّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فمصاعب الآخرة تطلّبت استخدام الرحمن لزيادة حروفها.
هل البسملة آية من القرآن أو بعض
اتفق العلماء على أن البسملة جزء من آية فى سورة النمل في قوله تعالى: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ)، ثم وقع الاختلاف فيما يأتي:
- هل هي آية مستقلة في أول كل سورة؟
- هل هي آية من سورة الفاتحة دون غيرها من السور؟
فقال الحنفية والمالكية: ليست البسملة بآية من الفاتحة ولا غيرها، غير أن الشافعية والحنابلة قالوا: البسملة آية من الفاتحة، ويجب قراءتها في الصلاة، ويذكر النووي الشافعي في كتابه المجموع مستدلاً على كون البسملة آية من القرآن في مطلع كل سورة:
"واحتج أصحابنا بأن الصحابة رضى الله عنهم أجمعوا على إثباتها فى المصحف جميعا فى أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وغيرها فإنها تكتب بمداد أحمر، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز".
و"ذهب الإمام مالك وجماعة إلى أن البسملة ليست فى أوائل السور من القرآن أصلا، وإنما هى للفصل بين السور"، والدليل على ذلك ما ورد عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم".
حكمة بدء التلاوة بالبسملة
تُفهم حكمة بدء التلاوة بالبسملة من فهم معاني البسملة التي تقدم ذكرها، ومن هذه المعاني أيضاً استشعار القارئ عند نطقه بالبسملة قبل القراءة تنبيهًا على أن ما يمرُ في كل سورة فهو حق، وما يأتي من الوعود فهو وعد صادق، وفيها كذلك مخالفة لغير المؤمنين الذين يستفتحون أعمالهم بأسماء آلهتهم أو زعمائهم.
ويمكن أن يُفهم أيضًا: أن الإنسان يقرأ القرآن لأمور عديدة منها البركة والأجر، ومنها الفهم والعلم والتأويل، ومنها التجويد والحفظ، وعلى ذلك يمكن أن نفهم ابتداء كل ذلك بالبسملة على جهة الاستعانة بالله على كل ذلك للتوفيق والسداد.
فضل (بسم الله الرحمن الرحيم)
إن قول "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل الشروع بأي عمل اعتصام بالله -تعالى-، وطلب العون باسمه العظيم، وحريٌّ بالمسلم أن يحرص على افتتاح الأعمال والأقوال بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ لفضلها، و اتباعاً لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ونجد في ذلك قول لعلي -رضي الله عنه- في فضلها وأهميتها، حيث يقول عن فضل قول بسم الله: "إنه شفاء من كل داء، وعون على كل دواء، وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به، وهو اسم لم يسم به غيره، وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحا".