تفسير آية (ولا تيأسوا من روح الله)
نص الآية
قال -تعالى- في سورة يوسف على لسان يعقوب -عليه السلام- مخاطباً لأبنائه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، وفيما يأتي بيان ما ورد في تفسير هذه الآية:
معاني المفردات
فيما يأتي بيان معاني المفردات اللغوية الواردة في الآية الكريمة، وهي:
- فتحسسوا: ابحثوا واطلبوا الخبر.
- تيأسوا: تقنطوا.
- رَوح الله: رحمة الله وفرجه.
مناسبة الآية
بعد أن أخبرَ يعقوبُ أبناءه في الآية السابقة أنّه لا يشكو إليهم حزنه على يوسف وأخيه، بل يشكوه إلى الله وحده، ولا يلتجأُ في طلب العون والفرج بعودة أبنائه إلا إليه، وأنّه يعلم من فرج الله ورحمته ما لا يعلمونه؛ طلب منهم أن يذهبوا للبحث عن يوسف وأخيه، وهذا دليلٌ على أنّه يعلم بأنّهما ما زالا على قيد الحياة وأنّه سيجدهما ويلتقي بهما مرةً أخرى، وأخبر أبناءه بألا ييأسوا من لطف الله ورحمته في تيسير إيجاد أخويهم؛ لأنّ الله قادرٌ على ذلك، لطيفٌ بعباده، واسع الرحمةِ والكرم، فلا يجوز اليأس و القنوط من رحمة الله، فلا يفعل ذلك إلا الكافر الجاحد.
المعنى الإجمالي للآية
يخبرُ الله -تعالى- في هذه الآيةِ أن يعقوب -عليه السلام- عندما أحسَّ بأنّه سيجد يوسف وأخاه ندبَ أبنائه وخاطبهم بلهجة الأب الحاني وطلب منهم أن ينطلقوا في الأرض قاصدين مصر، باحثين عن أخبار أخويهم يوسف وبنيامين، بعد أن فقدوا الأخير هناك من قبل، وقال لهم فتحسسوا، أي استخدموا كل طاقتكم وكل حواسكم للوصول إلى أي خبرٍ عن إخوتكم، والتحسس يأتي بمعنى الخير، بعكس التجسس الذي يأتي بمعنى الشر، وقد أمرَ يعقوبُ أبناءه ألا يكونوا كالكافرين الجاهلين الجاحدين برحمة الله وفضله وقدرته، فيقنطوا من فرجه وتيسيره بإيجاد إخوتهم والرجوع بخبرٍ سعيدٍ عنهم يطمئِنُ قلب أبيهم، ويذهب عنه حزنه وكربه، فإنّ الله رؤوفٌ رحيمٌ يغير الأحوال ويجمع الشمل بعد التفرق مهما طال.
فلا ينبغي على المؤمن أن ييأس أو يقنط من رحمة ربه أبداً، مهما ساءت الأحوال، ومهما اشتد البلاء، والقنوط في المعنى أشد من اليأس؛ لأنّ اليأس معناه أن ينقطع أمل العبد في حصول الفرج والرحمة، أمّا القنوط فهو أن يُصمّم على عدم حصول ذلك أبداً، وقد ذمّ العلماءُ والصالحون اليأس والقنوط كثيراً، وهو من كبائر الذنوب ، بدليل ما جاء في هذه الآية من بيانِ أنّه لا ييأسُ من رحمة الله إلا الكافرون، أما المؤمنون فهم على حسنِ ظنٍ دائمٍ بربهم، وعلى رجاءٍ لا ينقطعُ في رحمته وفضله وكرمه، ومن مضارّ اليأسِ عموماً:
- ضعف الإيمان وقلةُ اليقين بالله -تعالى-.
- استحقاق سخط الله وغضبه.
- العناء والتعب النفسي والجسدي بدون فائدةٍ.
- خطر الانجرار إلى الكفر وعدم الإيمان.