تفسير آية (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة)
تفسير آية (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة)
التفسير المُيسَّر
يقول -سبحانه-: أيُها الناس جعلناكم فتنة بعضكم لبعض، ليختبر الله -عز وجل- من يهتدي ومن يضل، وليبتلي الغني والفقير، والمريض والسقيم، ويراكم هل تصبرون على هذا الابتلاء، فتؤدون ما عليكم من واجبات وتحمدونه -سبحانه- أم تقنطون ولا تصبرون، فيجازي الله -عز وجل- كل إنسان بما عمِل، فمن صبر فله الأجر، ومن سخط فله العقاب.
تفسير الجلالين
يقول الله -عز وجل-: ابتليتم أيُها الناس ببعضكم، فالغني ابتليَ بالفقير، والمُعافى ابتليَ بالمريض، والشريف ابتليَ بالوضيع، فهل تصبرون على ما ترونه وتسمعونه ممَّن ابتليتم بهم، والاستفهام هنا جاء بمعنى الأمر، أي يأمر -سبحانه- بالصبر: (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)،أي أنَّ الله يعلم من صبر ومن جزِع، وسيجازيهم بأعمالهم، والله أعلم.
تفسير ابن كثير
يقول -سبحانه وتعالى- اختبرناكم أيُها الناس بعضكم ببعض، لنعلم العاصي من المطيع، فنرى هل تصبرون، وكان الله بصيرًا بمن يستحق أن يوحى إليه الوحي ، من الأنبياء والرسل، وقد جاء في حديثٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنَّ الله -عز وجل- قال له: (إنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بكَ)، فأراد الله أن يبتلي العباد بالأنبياء، ويبتلي الأنبياء بالعباد، والله أعلم.
تفسير السعدي
قال الله -عز وجل-: جعلنا الرسول فتنة للمرسل إليهم، نختبر به من يطيع ومن يعصي، وجعلنا دعوة الناس للتوحيد فتنة للرسل، وجعلنا الفقير فتنة للغني، وكل صنفٍ من أصناف الناس فتنة لغيره، فهذه الدنيا دار اختبار وفتن، والمقصود من وراء هذه الفتنة هو الصبر .
الصبر على المشاق والمصاعب التي تواجه العبد المؤمن في دنياه، وليؤدي ما أمره الله به من أوامر وعبادات، فيكرمه الله -عز وجل- ويثيبه بالحسنات، وكان الله بأحوال العباد عليم، يعلم من يصطفي للرسالة فيختصه بها، والله أعلم.
تفسير البغوي
ذكر الإمام البغوي في تفسيره أنَّ سبب نزول هذه الآية هو أنَّ الملأ من كفار قريش مثل أبي جهل، و الوليد بن عقبة ، والعاص بن وائل، عندما رأوا أنَّ فقراء الصحابة أسلموا واتبعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثل أبي ذر، وعمَّار بن ياسر، وبلال، وصهيب -رضي الله عنهم- جميعًا،استكبر المشركون وتعالَوا أن يدخلوا في الإسلام بعدهم، حتى لا يكون فقراء الصحابة لهم فضْل وأسبقيَّة على مشركي قريش، فهذه الآية جاءت لتختبر الفقراء المؤمنين وتفتنهم بالأغنياء المشركين، والله أعلم.
تفسير الطبري
وذكر في تفسير الطبري ، يقول -سبحانه وتعالى- امتحنَّاكم أيها الناس، فجعلنا منكم أنبياء واصطفيناهم لتبليغ الرسالة، وجعلنا منكم فقراء ومنعنا عنهم الدنيا لنختبرهم في الصبر والجزع، وجعلنا منكم ملوكاً وأعطيناهم الدنيا ومتاعها، لنختبرهم في إيمانهم، ولنرى كيف يرضى كل إنسان بقسمته، وكيف سيصبر على ما ابتليناه به، ولو أنَّا أعطينا محمد -عليه الصلاة والسلام- الدنيا لتبعتوه طمعًا بما معه لا استجابة لأوامري، والله أعلم.
تفسير القرطبي
يقول الإمام القرطبي في تفسيره أنَّ الحياة الدنيا هي دار ابتلاء واختبار وامتحان، ولذلك كانت إرادة الله أن يجعل العباد بعمومهم فتنة لبعضهم، فكل إنسان مختبر بإنسان آخر، أي يلزم الغني أن يواسي الفقير بماله ولا يتعالى عليه بغناه، فالله هو الغني.
ولا بُدَّ للفقير أن يصبر على حاله ولا يشعر بالحسد اتجاه الغني ولا يسرق منه، والمُعافى يدعو للمريض أن يشفيه الله ولا يستهزئ به لمرضه، وكذلك المريض يلزمه أن يحمد الله على كل حال ويصبر على مرضه، ولا يتمنَّى للمعافى المرض والسقم.
الدرس المستفاد من الآية الكريمة
عُلِم من الآية العظيمة التي سبق تفسيرها؛ أنَّ الفتنة والاختبار الذي يمرُ به المؤمن في حياته سواءً أكان فقرًا، أم غنى، أم مرضًا، أم نبوةً، هو لا يتجاوزه ولا يفوز فيه إلا الماهر، المستعين بالله، المتوكل عليه، الذي لا يرجو إلا رضا الله -عز وجل-.
لا يمكن لأي إنسان أن يهرب من فتنته أو اختباره، بل لا بُدَّ له أن يواجه ما قدَّر الله له بنفسٍ رضيَّة، وقلبٍ صابر غير ساخط، وبهذا يكون قد فعل ما أمره الله به في هذه الآية الكريمة، آخذًا الثواب الجزيل، والأجر العظيم.