تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله)
تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله)
قال -تعالى- في سورة البقرة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، وقد ذكر المفسّرون أنّ هذه الآية هي آخر آية نزلت من القرآن الكريم، وفيما يأتي تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله).
تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) عند الطبري
قال الطبري -رحمه الله- عند تفسيره لآية: (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله)، "يعني بذلك جلّ ثناؤه: واحذروا أيّها الناس يومًا ترجعون فيه إلى الله فتلقونه فيه أن تردوا عليه بسيئات تهلككم، أو بمخزيات تخزيكم، أو بفضيحات تفضحكم، فتهتك أستاركم، أو بموبقات توبقكم، فتوجب لكم من عقاب الله ما لا قِبَل لكم به.
وإنّه يوم مجازاة الأعمال لا يوم استعتاب، ولا يوم استقالة وتوبة وإنابة، ولكنّه يوم جزاء وثواب ومحاسبة، توفّى فيه كل نفس أجرها على ما قدمت واكتسبت من سيئ وصالح، لا يغادر فيه صغيرة ولا كبيرة من خيرٍ وشر إلا أحضرت، فتوفّى جزاءها بالعدل من ربّها.
وهم لا يُظلمون، وكيف يُظلم من جوزي بالإساءة مثلها وبالحسنة عشر أمثالها، كلا بل عدل عليك أيّها المسيء، وتكرّم عليك فأفضل وأسبغ أيّها المحسن، فاتّقى امرؤ ربّه فأخذ منه حذره وراقبه أن يهجم عليه يومه، وهو من الأوزار ظهره ثقيل، ومن صالحات الأعمال خفيف، فإنّه -عزّ وجلّ- حذّر فأعذر، ووعظ فأبلغ".
تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) عند القرطبي
قال القرطبي -رحمه الله- عند تفسيره لآية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) إنّ هذه الآية الكريمة هي وعظ لجميع الناس إذ فيها أمر يخصّ كلّ إنسان، وجمهور العلماء على أنّ اليوم المقصود في هذه الآية هو يوم القيامة وهو يوم الحساب والتوفية، وقيل إنّه يوم الموت، كما أنّ في هذه الآية رد على الجبرية الذي يقولون أنّ العبد مجبر على أفعاله، فهي تُثبت أنّ الحساب والعقاب متعلّق بما فعله العبد من الأعمال.
تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) عند المراغي
ورد في تفسير المراغي أنّ آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) كانت الخاتمة للآيات التي تحدّثت بشأن الربا، فحملت موعظةً بليغة إذا وعاها العبد فإنّ ذلك سيهوّن عليه بذل الغالي والنفيس في سبيل الله -تعالى-، وفيما يأتي تفصيل لما ورد في تفسير الآية الكريمة:
- (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله)
أي احذروا من اليوم العظيم الذي لن يكون فيه مشاغل دنيوية وحاجات جسدية تصرف العبد عن ربّه، وذلك أنّ العبد ينشغل كثيرًا في دنياه بتكثير ماله وتجميعه، ولكنّه إذا ما تذّكر الآخرة وأنّ الجزاء الحسن سيكون للتقوى، فإنّ هذا الحرص سيقل والطمع سيتضاءل.
- (ثمّ توفّى كل نفسٍ ما كسبت)
أي يُجزى كلّ عبد وفقًا لما عمله في الدنيا من خيرٍ أو شر.
- (وهم لا يُظلمون)
أي لا يُنقص شيء من الثواب ولا يُزاد في العقاب.
تفسير آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) عند ابن عثيمين فسّر ابن عثيمين -رحمه الله- آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) بما يأتي:
- (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله)
أي اتقوا واحذروا عذاب ذلك اليوم وهو يوم القيامة.
- (ثمّ توفّى كل نفسٍ)
أي تُعطى كل نفس جزاؤها المكتوب لها، وفقًا لعملها إن كان صالحًا فسيكون لها الثواب والأجر، وإن كان سيّئًا فلها العقاب.
- (ما كسبت)
أي ما حصلت على من ثواب على الحسنات أو عقوبة على السيّئات.
- (وهم لا يُظلمون)
أي لا يُنقص العباد في الآخرة شيئًا من ثوابهم، ولا يُزاد عليهم شيئًا من العذاب.
الفوائد المستنبطة من آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله)
تضمّنت آية (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله) الكثير من الفوائد، وفيما يأتي ذكر لبعضٍ منها:
- وجوب اتقاء يوم القيامة ويكون هذا الاتّقاء بفعل الأوامر الإلهية واجتناب النواهي.
- التقوى قد تُضاف لغير الله -تعالى-، ولكنّ معناها يكون مختلفًا فلا يُقصد بها التقوى التي هي على وجه العبادة، وإنّما تكون بمعنى جعل العبد وقاية وستر بينه وبين الشيء الذي يخافه.
- إثبات قدرة الله -تعالى- على البعث وإعادة إحياء الخلائق بعد أن أصبحت رميمًا.
- الجزاء والحساب في الآخرة لا يكون إلّا على عمل العبد نفسه، فلا يُحاسب أحد عن فعل ليس له فيه يد.