تفسير آية (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر)
المعنى العام للآية
وردت هذه الآية الكريمة في سورة يونس ، قال -تعالى-: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، وتحدثت الآية الكريمة عما جرى بين سيدنا موسى -عليه السلام- وسحرة فرعون، عندما اتهمَ فرعونُ سيدنا موسى بأنه ساحر وتحدّاه بأن يأتي بسحرةٍ يغلبونه، ثم أحضرَ السحرة وجمع الناس، فرَمَى السحرةُ عصيّهم وحبالهم أمام سيدنا موسى والناس، وظنوا بأنهم سيخدعون الناس بسحرهم، أو أنهم سيُخيفون سيدنا موسى أو سيحرجونه أمام الناس، جهلاً منهم وضلالاً، فأخبرهم سيدنا موسى بكل ثقةٍ أن ما يفعلونه هو السحر المصنوع الخادع للأبصار، وليس معجزةً أو آيةً من آيات الله، وأن الله -تعالى- سيُظهر لهم وللناس بُطلان وفساد ما يقومون به، فالله لا يجعل عمل أهل الإفسادِ صالحاً، بل يُزيله ويُبطله.
مناسبة الآية
تتجسد مناسبة الآية لما قبلها بأنها تمثل الفصل الثاني من قصة فرعون مع سيدنا موسى -عليه السلام-، حيث حاول فرعون أن يتحدى موسى -عليه السلام- بعد اتهامه بالسحر، وقام بجمع أمهر سحرته ليواجهوا موسى -عليه السلام- أمام الناس، وذلك لكي يُضلّ الناس ويصدهم عن الإيمان بالله -تعالى- وحده والتصديق بما جاء به النبي موسى -عليه السلام-، فجاءت الآية لتكملَ سرد الأحداث، وتخبرَ بما جرى في ذلك الموقف.
ما ورد من قراءات في الآية
وردت لكلمة السحر في الآية الكريمة قراءتين، الأولى هي قراءة عامة قراء الحجاز والعراق، وهي إثبات لام التعريف على وجه الإخبار والتأكيد، أما القراءة الثانية فهي بمد اللام لتصبح بمعنى الاستفهام، وهي قراءة مجاهد وبعض المدنيين والبصريين، وبناءً على هذه القراءة سيختلف شيءٌ من المعنى في الآية، وهو أن سيدنا موسى -عليه السلام- لم يكن متأكداً أن ما قاموا به هو سحر أو شيء آخر غيره، فسألهم بصيغة الاستفهام والاستفسار، ولكن الإمام الطبري رجّح قراءة الإخبار وأَوْلاها بالصواب؛ لأن سيدنا موسى -عليه السلام لم يكن على شكٍ في حقيقة ما فعله السحرة، فلم يحتج لأن يستخبرهم أو يسألهم عن ذلك.
ما ترشد إليه الآية
في الآية الكريمة الكثير من الإرشادات والتوجيهات التي يستفيد منها المسلم في حياته، ومنها:
- إن الصراع بين الحق والباطل قائمٌ إلى يوم القيامة، لا ينتهي ولا يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
- إن الله -تعالى- ينصر الحق على الباطل بإرادته ومشيئته، ولا يجعل للباطل على الحق سبيلاً.
- إن العمل الفاسد الخادع للناس حسب الظاهر لا يستوي مع المعجزة الإلهية الخارقة للعادة، التي يؤيد الله بها أنبياءه لتصديق دعوتهم وإقناع الناس.
- أن السحر إفسادٌ وخداعٌ باطلٌ، وتمويهٌ وتزييفٌ، ليس له حقيقةٌ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد أعد الله -تعالى- لفاعله عقاباً شديداً في الدنيا والآخرة.