تفسير آية (إني لكم رسول أمين)
تفسير آية: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)
جاءت هذه الآية على لسان ستة من الرسل، وهم: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى -عليهم السلام- في المواضع الآتية:
- قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
- قال: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
- قال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
- قال: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
- قال: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
- قال: (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ* أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).
المعنى القريب للآية
يخبر الله -تبارك وتعالى- في هذه الآيات أن رسلَه -صلوات الله وسلامه عليهم- كانوا يخاطبون أقوامهم بأنَّهم رسلُ الله إليهم، وكل رسول مكلَّفٌ بتبليغِ أُمّته بما أرسلَه الله بهِ إليهم بأمانةٍ، ومن غير زيادةٍ أو نقصانٍ أو تبديلٍ، ولا يأتي بشيءٍ من ذلك من تلقاء نفسه، وإنما ب الوحي من الله -عز وجل-.
الله أعلم حيث يجعلُ رسالته
ذِكر السابقين من رسل الله -سبحانه- أنهم خاطبوا قومهم بهذه الآية ليس معناه أن هاتين الصفتين ليستا متحققتين في غيرهم من رسل الله سبحانه، بل إن هاتين الصفتين لا يتصور إرسال الله -عز وجل- أحداً من خلقه لا يتصف بهما، فالرسالة لا تصل من غير أمانة.
والمرسِل الذي يوكِل رسالته إلى غير أمين قد ضيع رسالته ولم تبلغ من أراد إبلاغهم كما أرادها، وقد قرأ أكثر القراء قوله الله سبحانه وتعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) بالجمع (رسالاتِه).
ولا يصطفي ربنا الحكيم العليم لحمل رسالته إلا من يصلح لهذه المهمة العظيمة من خلقه، وإلا نُسبَ النقص وانتفاء صفتي العلم والحكمة إليه سبحانه وتعالى، ولم يكن قد أقام الحجة على عباده ولم يبلغهم رسالته التي كلفهم بها، إذ لا يكون ذلك ممن لا يصلح لأدائها، تعالى الله القدوس عن ذلك علواً كبيراً.
الرسول لا يكون إلا أميناً
مهمة الرسالة مهمة تكليفية عظيمة الحمل، ثقيلة الأداء، لا يصلح لها إلا صاحب نفس زكية قوية ثابتة أمينة مؤمنة بالله العظيم واليوم الآخر إيماناً حقاً راسخاً، وهذا المقام لا يُنال بالأماني والرغبات، بل هو اختيار إلهي يختار الله -عز وجل- بحكمته وعلمه الصالحَ لذلك، وكذلك هم رسلُ الله عز وجل، وبهذا نعلمُ رفعةَ مقام الأنبياء ومكانتهم عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وفضلهم على غيرهم من الناس.
الرسول معلوم الأمانة في قومه
إذا أخبر رسولٌ قومه بأمانته وكانوا يعلمون منه عدم الأمانة أو نقصانها بمواقف حفظوها عنه فإن ذلك سيكون حجة لهم عليه بتلك الدعوى، فهم يستطيعون تكذيبه بذكر خيانته التي حفظوها، ولم يكن ذلك، بل رسل الله -عز وجل- هم من المشهود لهم في أقوامهم بكمال بالأمانة قبل إرسالهم وبعده.