تفسير آية (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
تفسير آية (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
النداء بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)
وقع النداء بهذه الصيغة في القرآن في تسعة وثمانين موضعاً، وجاء هذا النداء بوصفهم (الَّذِينَ آمَنُوا) بصيغة متكررة في القرآن كثيراً؛ لتذكيرهم بأنَّ الإيمان الذي يدَّعيه العبد المؤمن يقتضي مِنه أنْ يتلقَّى الأوامر الإلهية بحُسن الطاعة والامتثال.
والله -عز وجل- حين ينادي عباده المؤمنين فإما يناديهم لكي يأمرهم بأمور فيها سعاداتهم وكمالاتهم، أو يناديهم لكي ينهاهم عن أمورٍ فيها شقاؤهم وضعفهم، أو ليبشرهم، أو لينذرهم، أو ليعلّمهم ما ينفعهم.
المقصود بـ (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ)
هذا أمرٌ ورد بصيغة الخبر، ونفهم منه أنَّ الله -عز وجل- يطلب من عباده المؤمنين القيام بنصره عن طريق إقامة شعائر دينه، ودعوة الناس إليه، وجهاد مَن يحاولون النيل منه، وكل ذلك مشروط بقصد وجه الله -تبارك وتعالى-.
الفرق بين دلالة (إن) و(إذا)
تُستعمل "إذا" الشرطية في كلام العرب للتعبير عن المقطوع بحصوله أو كثير الحدوث، بينما "إنْ" الشرطية تستعمل في مشكوك الحصول أو قليل الحدوث، وجاء في الجملة الشرطية المذكورة هنا -أي جملة: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ)- بحرف (إِنْ) الذي يدل على المشكوك بحصوله؛ لقلة الفاعلين لذلك، ومن ثم للحثّ على المنافسة والمبادرة والتحدي للتميُّز والريادة، وللإشارة "إلى مشقة الشرط وشدته".
الفرق بين (يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
لا مسوِّغ للقول بوجود ترادف بين معنى كلٍّ من (يَنصُرْكُمْ) و(وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)؛ لأنَّ الواو تفيد المغايرة، والسياق لا يمنع مِن أن تكون جملة (يَنصُرْكُمْ) في أوقات الحرب، بينما جملة (وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) في أوقات السلم؛ فالمعنى: سيوفقكم -سبحانه وتعالى- بالنصرة والتأييد في الحالتين: عند قتالكم لعدوكم في الحرب، ثم بعد ذلك سيوفقكم لتثبيت أقدامكم على دينه، و الشكر على نعمه ، والرفعة والتمكين في الأرض.
التفسير الإجمالي للآية ومناسبتها
التفسير الإجمالي
وعدت الله العباد المؤمنين بفائدتين إن حققوا شرطاً واحداً، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، أي: إن تنصروا دين الله وأولياءه فإنه سوف ينصركم على أعدائكم.
وعلى هذا فإن تحقّق الشرط: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ)؛ فستستفيدون فائدتين: (يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، أي تغلبوا أعداءكم، ويثبت الله أقدامكم فلا تزول في أيَّة حربٍ قادمة معهم مهما بلغ عددهم وعُدَّتهم مقابل عددكم وعُدَّتكم.
مناسبة الآية الكريمة
ستتبين مناسبة موقع الآية هذا في سورة محمد بعد التعرف على سياقها القبلي والبعدي كما يأتي:
- السياق القبلي
قبل هذه الآية الكريمة كان الحديث عن القتال، وأنَّ الله -تعالى- لو شاء لحصل للمسلمين الظفر مِن عدوِّهم بأيسر السبل، فقال: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)، فحين يسمع الإنسان ذلك سيتشوَّف لمعرفة حال المقاتل الذي يستحق معية الله معه بالنصر فيسلك سبيلها، ويحذر سبل خذلان الله له عن سبل النصر، فجاء الخطاب في هذه الآية ليخبرهم بما يتشوفون لسماعه من أسباب النصر والتمكين.
- السياق البعدي
بعد أن تحدّث عن الذين يستحقون معية الله -تعالى-، تحدث في المقابِل عن خذلان مَن يقابلهم، فقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)، فهما نتيجتان مقابل نتيجتين، فلِمَن ينصر الله أمرين: النصر والثبات، وفي المقابل فإنَّ لِعدوهم -إن حقق المسلمون شرط نصرة الله- أمرين: السقوط وخيَبان السعي.
ما ترشد إليه الآية
مِن الممكن استنتاج عدد من الدروس والعبر والأحكام من هذه الآية، ومن أبرزها ما سيأتي:
- النصر الإلهي لعباده الصالحين حتمي، لكنه مشروط بنصرة دين الله -تعالى-، وبتطبيق أحكامه بالتزام أوامره واجتناب نواهيه.
- على المسلم أن لا ينتظر نصراً إلهياً غيبياً مخالفاً لسنن الكون ، بل عليه أن يبدأ بنفسه فيجاهد شهواته وأهواءه، وأن يناصر أولياءه، ثم ليطلب النصر من الله.
- لا يتأخّر النصر لضعف الناصر -تعالى-؛ فله الجنود في السماوات والأرض، ولكن الأهم هل يستحق طالبُ النصر ذلك؟
- حتى إن تحقّق النصر على العدو -بهزيمته والظفر عليه- فهذه ليست النهاية، بل الأهم هو طلب التمكين بسؤال ثبات الأقدام -عند الرخاء- كي لا تضيع التضحيات الجالبة للنصر سدىً.
- العبد يريد نصراً يراه بعينه في الدنيا، والله بحكمته يريد للعبد خيراً لا يُشترَط أن يراه العبد بعينه.