تفسير آيات الحجاب في سورة النور
التعريف بسورة النور وآيات الحجاب
سورة النور سورة مدنية باتفاق أهل العلم ولا يُعرف لهم مخالف في هذا الأمر، والسورة ابتدأ نزولها في أول سنتين للهجرة واستمر بعد ذلك على أوقات مختلف حتى سنة تسع للهجرة.
كما أنها نزلت بعد سورة النصر وقبل سورة الحج وعدد آياتها ثنتان وستون آية، والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود وترقى إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيق كما يقول سيد قطب في تفسيره.
أغراض السورة
شملت السورة العديد من الأغراض، ذكر ابن عاشور جملة منها:
- عقاب قذف المحصنات الغافلات.
- حكم اللعان .
- التعرض لبراءة عائشة الصديقة -رضي الله عنها-، مما كذبه أهل النفاق ومن شاركهم من الصحابة -رضوان الله عليهم-.
- النهي والزجر عن حب إشاعة الفواحش، والمنكرات بين المسلمين.
- ذكر أحكام الاستئذان.
- الأمر بالصفح عن الأذى وعمن آذى.
- آداب المسلمين والمسلمات في المخاطة.
- إفشاء السلام بين الناس.
- تحريم البغاء والأمر بالعفاف والإعفاف.
- ذم أهل النفاق وأحوالهم.
- التحذير من الوقوع في حبائل الشيطان.
- ضرب أمثلة على الهدى الضلال.
- وصف عظمة الخالق -جل في علاه-.
آية الحجاب
من الآيات العظيمة المبينة والمفصلة لعموم حكم الحجاب والزينة للمرأة، وما يظهر منها وما لا يظهر وأمام من تظهر الزينة، وقد سمى أبو بكر ابن العربي هذه الآية بآية الضمائر؛ لورود خمساً وعشرين ضميراً للمؤمنات، وكونها أكثر الآيات جمعًا للضمائر.
آيات سورة النور
أما آية الحجاب في سورة النور فهي قوله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
شرح الآيات
يأمر الله -تعالى- المؤمنات بثلاثة أوامر:
- بغض البصر؛ عن كل ما لا يجوز لهم النظر إليه شرعا.
- حفظ الفَرْج؛ إلا على الزوج فقط.
- تغطية الرقبة والنحر وفتحة الثوب من جهة الرقبة من الأمام، والأمر بالضرب دلالة على المبالغة في سترِ ما أُمرت بستره، وهو أبلغ من مجرد التغطية والستر.
وينهاهم في الآية عن أمرين:
- عدم إظهار الزينة؛ وتكررت مرتين للأهمية، ولطول الفصل بين النهي الأول وما سيبنى عليها.
- عدم الضرب بأرجلهن على الأرض بشدة؛ حتى لا يسمع صوت الخلخال أو الزينة التي في الساق ولها صوت.
كما حددت الآية أمام من تظهر المرأةُ زينتَها؛ فذكرت أسماءً، وبقي غيرهم لم يذكروا، وسيظهر سبب ذلك لاحقاً؛ وعِدَّةُ المذكورين اثنا عشر صنفاً، وهم على قسمين:
- قسم محارم المرأة وعددهم ثمانية:
- بعولتهن، أي أزواجهن.
- والد المرأة.
- والد زوجها.
- أبناء المرأة.
- أبناء زوجها.
- أخو المرأة.
- أبناء أخوتها.
- أبناء أخواتها.
فهذه ثمانية أصناف ولم يُذكر العم والخال؛ لأنهما يصفان البنات لأبنائهم، كذا نقل ابن كثير عن الشعبي وعكرمة، وقد ذكر ابن عاشور سببًا حسناً؛ وهو أن الآية اقتصرت على الذين تكثر مزاولتهم بيت المرأة، فالتعداد جرى على الغالب، ويلحق بذلك من كان في مرتبتهم من الرضاع.
- قسم غير المحارم وعدتهم أربعة
- النساء؛ وعورتهن على بعض ك عورة الرجل على الرجل من السرة إلى الركبة.
- ما ملكت أيمانهن؛ سواء أكانوا نساءً أو رجالاً، فيجوز للمرأة أن تظهر عليهم؛ وذلك لكونهم محرمين عليها، إذ لا يجوز للمرأة أن تتزوج من رقيقها الذكور مع ما في طبيعة نفس العبد من عدم التطلع لسيدته.
- التابعون غير أولي الإربة من الرجال؛ والتابع هو الأجير الذي يستأجر لعمل معين، لكن بشرط أن يكون ممن لا يشتهي النساء وفي عقولهم غفلة وبله وخَوَث.
- الطفل؛ وهو الذي لم يظهر على عورات النساء؛ فلا يفهم النساء والمفاتن ولا يدرك دلالات الأفعال.
الأمر العظيم
ثم ختمت الآية الكريمة بأمر عظيم جداً، وهو الأمر ب التوبة الموجَه للمؤمنين والمؤمنات جميعاً؛ لما قد يحصل من لحظات غفلة أو ضعف، وليبقى هذا الدين العظيم دينًا واقعياً مدركاً لطبيعة الإنسان الخَطَّاء، وفاتحٌ لباب الأمل والهروب من الغفلات؛ التي تنقلت من هنا وهناك، وكون الأمر موجهاً للمؤمنين والمؤمنات فذلك لتأكيد أن المسؤولية مشتركة، وأن ضعف أحدهم لا يسوغ ضعف الآخر.
شبهات حول الحجاب
إن هذه الآية تعد من الآيات الأشد وضوحاً وتبياناً؛ لمسائل الحجاب وعموميته في الزمان والمكان والأشخاص، وإن الله -تعالى- قد حدد للمرأة أمام من تظهر زينتها، فالأصوات المعاصرة التي تريد أن تجعل المرأة مشاعاً بمحاولة تسلطهم على تفسير هذه الآية تفسيراً منفلتاً؛ تجده مصطدماً مع هذه القيود والأصناف التي حددها الله -تعالى-، فهو يريد محو هذه الأصناف، وجعل الآية وليبدين زينتهن لجميع الناس.