تعريف حديث الآحاد
تعريف حديث الآحاد
حديثُ الآحاد: هو الحديث الذي لم يَصل إلى حدّ التواتر ؛ أي ليس فيه شروط الحديث المتواتر، ويسمّى خبر الآحاد أيضاً بخبر الواحد، أو أخبار الآحاد، فالخبر في اللغة العربية هو النبأ، أي النبأ الذي رواه أحدٌ ما، ولكن ذلك لا يعني أن خبر الآحاد يَنحَصِر فيما ينقله شخص واحد فقط كما قد يُفهَم من التعريف، وإنما يشّمل الذي ينقله اثنان أو أكثر مما لم ينتهِ عددهم إلى حدّ التواتر، فالحديث المتواتر: هو ما يرويه جماعةٌ من العدول الثقات عن مَنْ هم مثلهم في هذه الصفات حتى يصل السند إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث الآحاد هو ما رواه واحد أو اثنان أو عددٌ لا يصل عددهم إلى حد التواتر وهم عُدولٌ ثِقات، عن من هم مثلهم في الصفات والعدد، وهكذا حتى يصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والحديث المتواتر قد اتّفق العلماء على أنَّه يفيد العلم والعمل معاً، وهو حُجَّةٌ عندهم ولا خلاف في ذلك، أما حديث الآحاد فقد تعدّدت الآراء حوله، فقال جمهور العلماء إن خبر الآحاد حُجّةٌ يجب العمل به حتى وإن غَلَبَ على الظَنّ أنهُ صحيح وليس قطعي الصحة كما هو الحال في الحديث المتواتر، واختلف معهم البعض في وجوب العمل به أم الاكتفاء بالعلم به، وسيأتي تفصيل ذلك في حجّيّته.
أقسام حديث الآحاد
تُقسم أحاديث الآحاد إلى ثلاثة أقسام كما ورد عن العلماء المسلمين، نذكرها فيما يأتي:
الحديث الغريب
الغريب لغةً المنفرد، أو البعيد عن أقاربه، وهو صفة مشبهة، واصطلاحاً هو الحديث الذي تفرّد بروايته شخصٌ واحد على طول السند، أو قد يحصل هذا التفرّد في أحد مواضعه، ولا تضرُّ الزيادةُ على الرقم واحد في باقي طبقات السند؛ لأن العبرة للأقل، ومن أمثلته من صحيح البخاري حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فإن هذا الحديث لم يروه عن عمر إلا علقمة ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا يرويه عن التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري -رضي الله عنهم جميعاً-، ثم اشتهر الحديث.
ويعبرُ عنه بعض عُلماء الحديث بالفرد، وقد جعلهما بعض العلماء صنفان مستقلان عن بعضهما، وقام بعض العلماء كذلك بجعل الغريب والفرد مترادفان في المعنى، مثل الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-، سواء لغةً أم اصطلاحاً، إلا أنه قال إنّ أهل الاصطلاح جعلوهما مختلفين من حيث كثرة الاستعمال وقلّته، فـ"الفرد" أكثر ما يطلقونه على "الفرد المطلق"؛ أي الذي سمّيناه الحديث الغريب، و"الغريب" أكثر ما يطلقونه على "الفرد النسبي".
فيندرج تحت هذا القسم نوعٌ آخر يُسمى الغريب النسبي: وهو الحديث الذي عُلم مخرجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أكثر من وجه، أي أنه رواه أكثر من صحابي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم رواه عن أحدهم صحابي آخر أو تابعي وتفرّد به، ورواه عنه الكثير، فيُقال تفرّدَ به فلانٌ عن فلان، ومثاله: حديث مالك ، عن الزهري، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى رأسه المغفر، وفي هذا الحديث تفرّد مالك به عن الزهري، وسبب تسميته بالغريب النسبي؛ لأن التفرُّد حصل فيه بالنسبة إلى شخصٍ معين، وهذا النوع كثيرٌ في كتب الحديث، وفي أمّهات الكتب وغيرها، وللحديث الغريب عدّة أصناف، فالغرابة والتفرُّد قد تكون مطلقة أو تختص بشيء معين، وبيانها فيما يأتي:
- ما تفرّد به راوٍ واحد مطلقاً أو رُويَ عن شيخٍ معيَّن، وهو أكثر صنفٍ نجده في رواية الحديث.
- ما تفرّد به أهل بلدٍ دون غيرهم، فمثلا يقال إن هذا حديثٌ تفرّد به أهل الشام، حيث لم يروه غيرهم، ولم يُعرف إلا من جهتهم، ومثاله الحديث القدسي : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن الله -تبارك وتعالى-: (يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا)، فلم يُعرف هذا الحديث إلا من رواية أهل الشام فقد تفرّدوا به، وهو حديثٌ صحيح ومن أعظم الأحاديث.
- ما تفرّد به أهل البلد عن أهل بلد آخر، أي أنه لم يُروى إلا من خلال هذه البلد عن البلد الآخر، أو أنه لم يُروى بوجهٍ صحيحٍ إلا من هذا الطريق، ومثاله: ما تفرّد بروايته من الثقات عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا محمد بن سوقه، عن عبد الله دينار، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم جميعاً- خطب بالجابية، فقال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقامي فيكم، فقال: (أوصيكُم بأصحابي، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ يفشو الكذبُ حتَّى يحلِفَ الرَّجلُ ولا يُستَحلَفُ ويشهدَ الشَّاهدُ ولا يُستَشهَدُ ألا لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كانَ ثالثَهما الشَّيطانُ علَيكُم بالجماعةِ وإيَّاكم والفُرقةَ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ وَهوَ منَ الاثنَينِ أبعدُ مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلْيلزَمُ الجماعةَ، مَن سرَّتهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سَيِّئتُهُ فذلِكم المؤمنُ)، فهذا الحديث الصحيح قال فيه الحاكم إنه تفرّد به أهل خراسان عن أهل الكوفة.
الحديث العزيز
العزيز هو صفة مشبهة من عزّ، يعزّ، وله احتمالان: بالكسر، ومعناه لغةً ما قلّ أو ندُر، وبالفتح ومعناه لغةً قَوِيَ واشتد، فيحتمل المعنيين، أما اصطلاحاً: فهو الحديث الذي يرويه اثنان عن اثنان بأحد طبقاته، أو بأَكثر من طبقة، أو بِكُلِّ الطبقات، حتى إذا زاد عن اثنان في طبقات أُخرى يبقى اسمه عزيزاً ما دامت إحدى طبقاته فيها اثنان؛ لأن العبرة لأقل طبقةٍ من طبقات السند، ومثاله ما جاء في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة ، قال رسول الله -صلى لله عليه وسلم-: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ)، ورواه كذلك أنس بن مالك -رضي الله عنهم-، ورواه عن أنس اثنان: قتادة وعبد العزيز بن صُهَيب، ورواه عن قتادة اثنان: شعبة وسعيد، ورواه عن عبد العزيز اثنان: إسماعيل ابن عُلية وعبد الوارث، ثم رواه عن كل منهما جماعة.
الحديث المشهور
الحديث المشهور هو الحديث الذي ينحصر عدد رواته في ما بين العزيز والمتواتر؛ أي عدد رواته أكثر من اثنين ولم يصل إلى حدِّ التواتر، وكلمة مشهور هي اسم مفعول من "شهرت الأمر"؛ أي ظهر وأُعلن، ومثاله ما جاء في صحيح البخاري من رواية عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا).
وقد سمّاه العلماء أيضاً بالحديث المستفيض، فالمستفيض اسم فاعل من الفعل "استفاض"، وسُمّي كذلك دلالةً على انتشاره، وجاء في معناه الاصطلاحي ثلاثة معانٍ: أوّلها أنه مُرادف لمعنى المشهور، ولذلك لم يُصنّف كنوعٍ وحده بل أُضيف إلى هذا القسم، وثانيها: إنه لا بد أن يستوي طرفا إسناده؛ أي أنه في الابتداء والانتهاء سواء، فيختلف عن المشهور في ذلك، فلا يُشترط في المشهور هذا الشرط، وثالثهما عكس الثاني؛ أيّ أنه يُشترط أن لا يستوي طرفا إسناده. وهناك نوع آخر من المشهور وهو الحديث الذي يُسمّى مشهوراً لأنه اشتُهر على ألسنة الناس، وليس لأنه مشهور في المعنى الاصطلاحي، ويشمل الأحاديث ذات السند الواحد، والأحاديث التي لها أكثر من سند، والأحاديث التي لا سند لها، وله أنواع، منها ما يأتي:
- مشهور بين أهل الحديث خاصة: ومثاله حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (قَنَتَ رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا)؛ حتى يدعو على قوم رعلٍ وذكوان، وهما قبيلتان عربيتان مشركتان كانتا قد دبّرتا مكيدةً للإيقاع بالمسلمين، فتظاهروا بالإسلام، فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم الكثير من حفظة القرآن حتى يعلّموهم أمر دينهم، وفي الطريق غدروا بهم وقتلوا منهم الكثير، فصلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة القنوتِ شهراً كاملاً يدعوا عليهم.
- مشهور بين أهل الحديث، والعلماء، والعوام: ومثاله قول النبي -صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ...).
- مشهور بين الفقهاء: ومثاله حديث: (أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ تعالى الطلاقُ).
- مشهور بين الأصوليين: ومثاله الحديث: (إنَّ اللهَ -تعالى- وضع عن أُمَّتي الخطأَ، و النسيانَ، و ما اسْتُكرِهوا عليه).
- مشهور بين النُّحاة: أي الذين يختصون بعلم النحو ، ومثاله هذا الحديث الذي لا أصل له: (نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله تعالى لم يعصه).
- مشهور بين العامة: ومثاله الحديث الضعيف : (العَجَلةُ من الشَّيطانِ).
وبعد بيان أنواع المشهور لا بُدّ من ذكر حُكمه والكُتب التي صُنّفت فيه، فنظراً للتنوّع الكبير في أقسامه فقد تنوّعت الأحكام فيه على حسب كُل نوع، فمنه الحديث الصحيح ، والحديث الحسن، والضعيف، ومنه أيضاً الموضوع ، وإن الحديث المشهور اصطلاحياً يُرجّح على باقي الأنواع، أما بالنسبة للمصنّفات؛ فقد صُنِّفَ في الحديث المشهور على الألسنة الكثير من المصنفات، ومنها كتاب "المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة" للإمام السخاوي، و كتاب "كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس" للإمام العجلوني، وكتاب "تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث" لمؤلفه ابن الدَّيْبَع الشيباني.
حجيّة خبر الواحد
أجمع معظم علماء الفقه وأهل العلم الشرعي على أن أخبار الآحاد المروية من الثّقات والعدول على قبوله وأنه حُجّةٌ يجِبُ العلمُ والعملُ به، وذلك إن لم يأتِ حديثٌ متواتر آخر أو أثرُ أو إجماع يخالفه، فقد اتّفق العلماء على الاحتجاج بالخبر الواحد ولكنّهم اختلفوا في إثباته، فانقسموا إلى صنفين، الصنف الأول: قال بقطعيّة ثبوته، وإنه يفيد العلم اليقيني قطعاً، ومن أصحاب هذا القول الإمام داود الظاهري، والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي، ونُقل عن الإمام أحمد في رواية، كمت نُقل عن الإمام مالك، وجزم به الإمام الشافعي، وجزم به ابن حزم ، وقال الصنف الآخر من العلماء: إنه ظنّيّ الثبوت حتى وإن كان حُجّة معمول بها، وممن قال بذلك الإمام الرازي الذي ادّعى أيضاً أن الصحابة أجمعوا على ذلك.
وقال بعض العلماء إنه لا يُؤخذ بحديث الآحاد في الاعتقاد؛ لأن الأُمور العقديّة تؤخذ فقط بالجزمِ واليقين، ولا تُبنى على الظنّ حتى لو كان راجحاً، وقد ذهبت فرقة المعتزلة التي ظهرت في القرن الثاني للهجرة إلى أن خبر الآحاد لا يحتج به، ويترتب على ذلك عدم وجوبِ العلم أو العملِ به، فخالفوا اتّفاق العلماء وإجماعهم، ولم يسبقْهم أحدٌ لهذا الرأي الذي ظهر بعد أكثر من مئة سنة بعد الإسلام، وقد ردّ العلماء المسلمين على ذلك.