تعريف الواقعية السحرية
ما هو تعريف الواقعية السحرية؟
تعود أصول نظرية الواقعية إلى الفلسفة، فقد ظهر التيار الفلسفي الواقعي قبل ظهور التيار الواقعي في الأدب والفن، وهو امتداد له، ويقصد بها دراسة أي موضوع، بصرف النظر عن صلته بالتجربة الإنسانية الشاملة، واتصاله بالواقع الحسي، وهي شكل من أشكال الفن الذي يرفض الواقع، وذلك بهدف جعله مثاليًا، ظهر هذا المذهب في منتصف القرن التاسع عشر.
ودعا إلى معالجة مختلف الموضوعات الواقعیة، المقتبسة من الأحداث الحیوية، أو مأخوذة مـن الدراسـات المتعددة، والواقعية فـي الأدب تعني وصف البیئة وصفا دقیقًا، وموضوعیًا، ونقد القضايا المتعلقة بشؤون الناس الحياتية، ومحاولة الكشف عما فيها من أسرار غير ظاهرة بشكلٍ جلي، بما ذلك الشرور المخبأة والآثام، فهذا الكشف يعبر عن جوهر حقيقتها الأصلية والدفينة.
من خلال هذه االمفاهيم المتعددة، نسـتنتج أن المدرسة الواقعیة معرفة دقیقة لما هـو موجود، في حين أنها تعني لدى البعض دراسة الموضوع حتى وإن كان بعيدًا عن الواقع، وبالتالي، تعد الواقعية من المصطلحات الفضفاضة، أما الواقعية السحرية، فهي من فروع المدرسة الواقعية وهي مدرسة تشكلت في الثمانينيات من القرن العشرين، وبدأت تنتشر في أمريكا اللاتينية، انطلقت من حقل الفنون التشكيلية ، أهمها الرسم، وهي مدرسة تعبر ما يدور في عقول الأدباب من أحلام سيريالية.
وارتبطت الواقعية السحرية بكل ما هو غريب، وغير عادي، وفي بعض الأحيان كانت تعبر عما هو خارق، وبالرغم من التباين الواضح بين مصطلحي الواقعية والسحرية، إلا أن ما هو غير واقعي لا يمكن أن ينفصل عما هو واقعي، والواقعية السحرية هي اجتماع لما هو خلاق وعجيب.
خصائص الواقعية السحرية
هناك العديد من الخصائص التي تتميز بها المدرسة الواقعية السحرية عن غيرها من المدارس، أهمها ما يأتي:
- جمعها لما هو عجيب في ثنايا الواقع، ويقصد بهذا أن سرد الأحداث في الرواية الواقعية السحرية يكون غير واقعيًا في ثنايا أحداث واقعي، وهي بذلك تجمع بين المتناقضات.
- ارتباطها بالفن، فقد ظهرت منذ البداية على شكل تيار فني.
- قدرتها الكبيرة على إثارة دهشة القارئ، مما يزيد من فضوله، ويجعله أكثر حماسًا لمعرفة باقي تفاصيل العمل الأدبي، ويصبح أكثر جاذبية.
- ارتباطها بالموروث الشعبي، المتسم بالغرابة، مع إضفاء نزعة عقلانية.
- استخدام أسلوب السخرية، وهو شكل من أشكال النقد اللاذع، والتهكم، والثورة على الواقع.
- الأحداث في الرواية الواقعية السحرية تتسم بانعدام وجود أي تفسير منطقي لها.
أنماط الواقعية السحرية
هناك أنماط عدة للمدرسة الواقعية السحرية، هي:
الواقعية السحرية الغيبية
وهي شكل من أشكال الواقعية السحرية التي تهتم بإبراز الجانب الميتافزيقي للأشياء، ويقصد بها الجانب الماورائي الذي لا يقع تحت الحواس، والذي يكون محجوبًا فيهتم الكاتب بإبرازه للعوام، وقد ظهر هذا الشكل من الواقعية السحرية في أعمال أدب أمريكا اللاتينية.
ويتميز باستخدام تقنيات التغريب، ويتسم بالغموض الحاد، مما يجعل القارئ يسعى إلى محاولة التفسير المنطقي، إلا أن هذا الأمر مستحيلًا ومن أهم الأمثلة عليه روايات بورخيس، التي تتميز بالفانتازيا.
الواقعية السحرية الأنثروبولوجيا
يعرف هذا النمط من الواقعية السحري بانعدام التناقض ين ما هو واقعي، وغير واقعي، وهو عكس لأساس المدرسة الواقعية السحرية، لذلك فهو يقدم كل ما هولا غير واقعي على أنه واقعي إلى حد بعيد.
ويرتبط بإبراز الجانب الثقافي للبيئات المختلفة، والهدف من هذا النمط من الواقعية السحرية، هو إيجاد هوية وطنية جامعة، وانعدام التسلسل الهرمي، والطبقي في المجتمعات، ويكون ذلك بالعمل الدؤوب على إحياء الجانب الأسطوري في الثقافات الشعبية، وتعد روايات: غار سيل غابر، يا ماركيز، من أهم الأمثلة على الاتجاه الواقعي السحري الأنثروبولوجي.
الواقعية السحرية الأنطولوجية
وتعرف أيضًا بالواقعية السحرية الوجودية، وتختلف هذه المدرسة عن الواقعية السحرية الأنثروبولوجيا بحلها التناقض بين الواقعي مغير الواقعي دون اللجوء إلى الأنثروبولوجيا، ودراسة الموروث الشعبي، ويتم من خلالها تقديم العنصر السحري واللاواقعي على أنه واقعي، ويتماشى مع العقل، فهو حقيقة كونية مسلّم بها.
وفي هذا النمط من الواقعية السحرية، يمارس الكاتب حريته المطلقة في سرد الأحداث، ووصف الشخصيات دون القلق بشأن إقناع القارئ بها، لكونه يقدمها على أنها طبيعية إلى أبعد الحدود، ومن أهم الأمثلة الروائية التي تبنت الاتجاه لواقعي السحري الأنطولوجي، رواية الحرافيش للأديب المصري نجيب محفوظ.
الواقعية السحرية بين الغرب والعرب
ظهرت الواقعية السحرية في عيون الكتب العربية، فابن منظور ذكر في لسان العرب أن السحر عمل تقرب فيه الشيطان، ووردت كلمة السحر في القرآن الكريم، والسحر عند الجصاص لغةً واصطلاحًا هو أن لكل أمرٍ خفي سببه تهيأ لأناظر أمر متخيل، كما وردت مصطلحات مثل العجائب، والأسطورة في كتب التراجم، والتراث العربي، وهذا يعني أن هنالك إرهاصات عربية للمدرسة الواقعية السحرية في التراث العربي القديم، لكنها لم تتبلور في مدرسة متكاملة فالمصطلح غربي وليس عربي.
لكن ظهرت العديد من الدراسات العربية التي اهتمت في تأثر الروائيين العرب بالمدرية الواقعية السحرية، وكان هذا التأثير نتيجةً لانفتاح الروائيين العرب على الفكر الأوروبي والأمريكي اللاتيني، ومن أهم الدراسات التي أجريت دراسة مدى تأثر خماسية مدن الملح التي ألفها الروائي عبدالرحمن منيف بالاتجاه الواقعي السحري، ويعد هذا النوع من الدراسات، حديثة جدًا لم يمر عليه سوى عدة سنوات.
أما في الحضارة الغربية، فقد ظهرت الواقعية السحرية باعتبارها تيارًا فنيًا أدبيًا، وأول من اهتم به الفنانون التشكيليون المختصون في الرسم، فظهرت لوحات تعبر عن حالة من السحرية، والسريالية، التي تنتقد الواقع، بشكل تهكمي، لكن استخدام المصطلح وإدخاله على المعاجم ظهر عام 1925م، على يد فرانز روه الذي ناقش هذا المفهوم، لتقديم خصائص الفن الألماني الحديث.
وهناك العديد من أدباء أمريكا اللاتينية الذين تبنوا هذا التيار، وعملوا على نقله من الفنون التشكيلية إلى الأدب، بخاصة فن الرواية من أشهرهم: خورخيس لوي بورخيس، وغابرييل غارسيا ماركيز.
أبرز رواد الواقعية السحرية
من أبرز رواد الواقعية السحرية ما يأتي:
- غابرييل غارسيا ماركيز(1927م- 2014م)
أديب وروائي لاتيني، من مواليد كولومبيا، يعد بحسب التصنيف العام أعظم روائي للقرن العشرين، حاز على جائزة نوبل للأدب، عام 1982م، تقديرًا له عن روايته مئة عام من العزلة، تميز بقدرته على جذب العوام من القراء.
بالإضافة إلى إطراء أعظم نقاد العالم على أدبه، تميزت معظم رواياته بالقدرة على نقدد الواقع من خلال التهكم والسخرية إلى جانب توظيفه للأسطورة اللاتينية، ومن أهم الروايات التي عرفت بالواقعية السحرية: رواية مئة عام من العزلة، وتمت ترجمتها إلى مختلف لغات العالم.
- خورخي لويس بورخيس (1899م- 1986م)
هو أديب وروائي وشاعر أرجنتيني، صنفت أعماله على أنها من أعظم كلاسيكيات القرن العشرين، وتمثل معظم أعماله الجانب الشعبي، وتحاكي هموم الواقع، من خلال نص أدبي رشيق، كما استعان من تراث أمريكا اللاتينية، الرموز للتعبير عن الوضع القائم.
ومن أشهر أعماله التي تعد تمثيلًا للمدرسة الواقعية السحرية، كتاب الرمل، وهو مترجم إلى العربية، وهو عبارة عن مجموعة من القصص الشعبية الخيالية.
- نجيب محفوظ (1911م- 2006م)
يعد الأديب نجيب محفوظ من أبرز الروائيين العرب، وهو أول عربي نال جائزة نوبل للأدب عام 1988م، له العديد من المؤلفات التي عملت على إثراء المكتبات العربية، التزم نجيب محفوظ في مناقشة قضايا الواقع، والتعبير عن روح المجتمع المصري.
لذلك يغلب الطابع الشعبي على أغلب رواياته؛ نظرًا لاعتبارها تعبيرًا عن واقع المجتمع، لكنه حافظ في القت ذاته على الجانب الفكري مستعينًا بالتاريخ المصري القديم، ومن أهم رواياته التي تعد تمثيلًا للتيار الواقعي السحري: رواية زقاق المدق، وكفاح طيبة.
كتب عن الواقعية السحرية
هناك العديد من الكتب التي ناقشت أهم المسائل المتعلقة بالتجاه الواقعي السحري، أهمها ما يأتي:
- كتاب شواغر سردية
من تأليف الدكتور ضياء غني العبودي، وضح من خلاله أهم المدارس النقدية في الأدب، وأهمها المدرسة الواقعية السحرية، وقام بدراسة أنموذج روائي للواقعية السحرية، وهو الرواية العراقية المعاصرة، الكتاب صادر عن دار تموز، في دمشق.
- الواقعية السحرية في الرواية العربية
من تأليف الدكتور حامد أبو أحمد، وهو عبارة عن مجموعة من الدراسات التي أجراها الباحث لعدد كبير من الروايات العربية التي تصنف، على أنها روايات سحرية واقعية عربية، أهمها: رواية ألف ليلة وليلة للروائي المصري نجيب محفوظ، ورواية عبدالله يقرأ طول الليل و تكتب طول الليل، للأديب محمد خيري حلمي، والكتاب صادر، عن المجلس الأعلى للثقافة، ويعدّ من أفضل المداخل للتعرف على المدرسة الواقعية السحرية.