تعريف السلم
السلم
اعتبرت مسألة السلم والحرب قضيةً مهمةً على مرّ العصور، وعلى جميع مستويات العلاقات الدولية، فمنذ بدء البشرية إلى الآن أُعتبر تحقيق السلم مصدراً للقلق، إذا أُخِذ بعين الاعتبار أنّ جميع الأديان والكتب الدينيّة ناقشت هذه القضية والتزمت بها، فالديانة المسيحية، والإسلامية، والهندوسية، وغيرها تحمل التزاماً مقدساً للسلام، ويعتبر السلم أو السلام من أعلى وأفضل القيم الإنسانيّة، والجدير بالذكر أنّ كلمة السلم هي كلمة يونانية الأصل، وقد تبنّى جميع الناشطين في مجال السلم والحرب تفسيرها على أنّها غياب الشقاق، والعنف، والحرب ، كما أنّ السلم هو الاتفاق، والهدوء، والانسجام، وتستخدم هذه الكلمة للإشارة إلى حالةٍ داخلية، أو إلى علاقات خارجية على السواء.
ويمكن تصنيف السلم إلى عدة مراحل تبدأ بالسلم مع الله، ويكون بأن يدرك الشخص وجود العدالة الإلهية، وأنّ لكل شخص دور مخطط ومرسوم له في هذه الحياة، وأنّ العبادة ليست وسيلةً للمتاجرة؛ بمعنى أنّ الإنسان يعبد الله من أجل أن يمنحه شيئاً ما، وإنما الغرض منها هو التقرب من الله سبحانه وتعالى، ويلي السلم مع الله السلم مع الكون، ويكون من خلال إدارك المظاهر الكونية الإلهية التي تتحكم بمكونات الكون، وأنه لا ينبغي للفرد أن يفرض نفسه على أيّ شيءٍ من هذه المكونات، ويأتي السلم مع الذات في المرحلة الثالثة، ويكون بمعرفة الشخص لميوله ورغباته، والسيطرة عليها من خلال إشباعها بالطرق المنطقية والمعقولة، مما يقلل من الصراعات بين نفسه والمجتمع الذي يعيش فيه، كما من شأن ذلك أن يحدد ردود أفعاله في الحياة، وأخيراً يأتي السلم مع الآخرين، ويعتبر من أصعب الأمور تحقيقاً، إذ ينتج التصارع مع الآخرين نتيجة تضارب واختلاف الآراء والمصالح، ولا يتحقق السلم مع الآخرين إلا من خلال احترام الشخص للآخرين وقبولهم كلاً حسب شخصه ومبادئه.
تحقيق السلام في المجتمع وأهميته
يُنظر إلى السلام على أنه نمط وأسلوب حياة، وأنه الطريقة المثلى لحل الصراعات، وتحقيق العدالة الشخصية والاجتماعية، وتسعى جميع المجتمعات إلى تحقيق السلام مع وجود فروقاتٍ في ذلك، حيث إنّ هناك مجتمعات أكثر عنفاً من غيرها، وإنّ من أنجح الطرق في تحقيق السلام في أيّ مجتمعٍ هو أن يتم اعتباره أسلوباً ومبدءاً لا مفر منه لتحقيق العدالة في المجتمع، فالأشخاص في أي بيئةٍ اجتماعية يحتاجون إلى العيش وفق مبادئ يسترشدون بها خلال حياتهم كي تتكيف الطبيعة البشرية مع القضايا اليومية والصراعات التي هي من طبع النفس البشرية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الصراعات أمرٌ لا مفرّ منه في أيّ مجتمعٍ كوسيلةٍ لحلّ النزاعات، وخاصة السياسية منها والتي عادةً ما يدفع ثمنها الأبرياء من الشيوخ، والنساء، والأطفال.
ومن هنا جاءت أهمية ثقافة السلام، حيث إنّ توعية المجتمعات وتثقيفها لتخريج جيلٍ صانعٌ للسلام ومحاربٌ للعنف أمرٌ هامٌ جداً لإنهاء الصراعات وإحلال السلام، كما أنّ إيجاد سبلٍ للتعاون، وبدائل لحل النزاعات، ومحاربة العنف المنظم والمدمر من أهم الطرق لإيجاد مجتمع سلمي، وتحقيق الأمن والأمان البشري، وتوفير الرفاهية للسكان، ولا تقتصر فوائد تحقيق السلام على الجانب البشري فقط، بل تمتد منه إلى الجانب الصحي، والاقتصادي، والبيئي، والسياسي.
نظام السلم الداخلي
حتى يتحقق السلام وتتربى النفوس على الخُلق السليم والتعاون، وتقل الاضطرابات والعداوات، وتُمنع الحروب والفتن، ويحل السلام في المجتمع، يجب أن يبدأ السلام من داخل المجتمعات، ويتم ذلك باتباع القواعد الآتية:
- إصلاح الفرد، حيث يصبح محباً للناس، ومقبلاً على عمل الخير، وخاضعاً لأوامر الله وأحكامه.
- الاهتمام بالأسرة على أنّها أساس قيام المجتمع، وذلك كي ينشأ الفرد في أسرةٍ سليمة ومتوازنة، لا تشوبها الخلافات والنزعات، ولا يستبد الرجل، أو تهان كرامة المرأة فيها.
- بناء مجتمع قوي ومتين، يكون أفراده متعلمين وأقوياء وأصحاء، وتسوده العدالة، ويتمتع أفراده بالكرامة التي تضمن لهم حياةً أفضل، ويعيشون حياةً كريمة، وتوفّر لهم اللباس، والطعام، والمسكن، ولا يُفرَّق بينهم.
- إنشاء حكومة توجه أشخاصها وترشدهم، وتحرسهم من أيّ نزاعاتٍ داخلية، أو عدوان خارجي، وتقوم بأخذ مشورة شعبها، وتعمل لخيره ومصلحته.
نظام السلم الخارجي
ويعني علاقة الدولة السلمية مع الدول الأخرى ويتحقق هذا النظان بالآتي:
- أن تكون أصل العلاقة بين الدولة والشعوب الأخرى المسالمة والمهادنة والتعاون .
- أن تكون العلاقة مبنيةً على احترام الأديان، والعقائد، والأموال، والكرامة.
- أن يكون هناك تعاونٌ متبادل لتحقيق المصالح، والاستفادة من صناعات، وعلم الدول الأخرى.
السلم في الإسلام والمسيحية
الإسلام هو السلم والسلام، ويعني خضوع القلب وجميع الجوراح وتسخيرها لتحقيق الخير والحق، والجدير بالذكر أن تحية المسلمين لبعضهم البعض هي السلام، وهي: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ويردد المسلمون في صلاتهم أدعية للسلام مثل: (اللهم أنت السلام ومنك السلام)، كما أنّ أحد أبواب المسجد الحرام في مكة يسمى باب السلام، ودار الجنة تسمى دار السلام؛ التي وعد الله بها عباده، وقد وضع الإسلام عدة مبادئ للسلم، ألا وهي:
- الناس جميعاً على اختلاف لغاتهم، وأنسابهم، وأوطانهم أخوة.
- أساس التفاضل بين الناس عند الله هو الأخلاق، وحب الخير، والتعاون فيما بينهم.
- الصفح، والتسامح ، بين البشر هو أساس التعامل بينهم، وهو من مكارم الأخلاق.
- تحريم كل ما يؤدي إلى الضغائن، وإيقاع العداوة بين الناس كالغيبة والنميمة ، والحسد، والتجسس، وغيرها.
- اعتبار هدف جميع الأديان واحد، وأن الأنبياء بُعثوا برسالة واحدة، ولذلك لا يجب الإقتتال من أجل تعدد الأديان.
أما المسيحيّة فقد اهتمت بالسلم في حياة السيد المسيح، حيث وقف عليه السلام موقف الواعظ والداعي للسلم، كما أعلن الحروب على النفوس التي لا تهنأ بالسلام، وتستلذ بالظلم والعدوان، ونشر الفتن والفساد في الأرض، وبين الناس.
دور منظمة الأمم المتحدة في تحقيق السلام
أُنشئت العديد من المنظمات الداعية إلى السلام، ومنها منظمة الأمم المتحدة ، وقد كان الدافع لتأسيسها هو وقف الحروب والنزاعات المسلحة، واستعادة السلام في المجتمعات التي عانت من الحربين الأولى والثانية، وقد أدى إنشائها إلى المساعدة الكبيرة في إنهاء العديد من الصراعات بموجب ميثاق نفّذه مجلس الأمن، حيث يقوم هذا المجلس بتقديم توصيات إلى الأطراف المتنازعة في محاولةٍ منه للتوصل إلى اتفاقيات تنهي الصراع والقتال، وفي مواقف عديدة أصدر مجلس الأمن قرارات لوقف إطلاق النار مما ساهم في الحد من انتشار الأعمال الإرهابية على نطاقٍ كبير، ومن أعمالهم أيضاً نشر قواتٍ لحفظ السلام تكون تابعة للأمم المتحدة، وتكمن وظيفتها في تخفيف التوتر بين الأطراف المتنازعة، كما أنّ له الصلاحيات بإصدار العقوبات مثل الحظر الاقتصادي على الدول.
كما أنّ هناك الجمعية العامة التي تقوم بتقديم توصيات لحفظ السلام، مثل نزع السلاح، والتسويات السلميّة، ويمكن أن تقوم باتخاذ الاجراءات بدلاً من مجلس الأمن وفقاً لقرارها في عام 1950م، والذي حمل شعار متحدون من أجل السلام، كما أنّ الأمم المتحدة أعطت الصلاحيات إلى الأمين العام باستخدام مساعيه الحميدة لمنع نشوء وانتشار الصراعات الدولية، وتراقب الأمم المتحدة جميع أنحاء العالم بهدف الكشف عن أيّ محاولاتٍ تهدد بالسلام، كما تعمل على نزع السلاح وتدميره، من خلال مبعوثين وممثلين عنها يعملون في مجال الدبلوماسية والوساطة الوقائية.
وتقوم الأمم المتحدة بعمل بعثات خاصة لفرقٍ تُدعى قوات حفظ السلا؛ تكمُن مهمتها في وقف إطلاق النار، والعمل على المحافظة على استقرار الأوضاع، وبذل الجهود من أجل تحويل الصراع بوسائل سلميّة عن طريق المفاوضات، وقد تأسست أول بعثة لحفظ السلام في عام 1948م، وكانت لمراقبة الهدنة في الشرق الأوسط بين إسرائيل وما يجاورها من الدول العربية، ويوجد الآن ما يقارب 69 من قوات حفظ السلام في مختلف أنحاء العالم.
فيديو عن السلام وأهميته
للتعرف على المزيد تابع الفيديو: