تعريف الذات
مفهوم الذات
يعتبر الإنسان مجموعة من الأنظمة الإجتماعية، والنفسية، والعصبية المرتبطة ببعضها البعض، وقد اهتم علماء النفس بالإجابة عن سؤال من أنت، ومن هنا جاء مصطلح الذات ، فبعض العلماء كانت رؤيتهم للذات على أنها مجرد مجموعة من التصورات، والبعض الأخر أولى هذا المفهوم اهتماماً كبيراً، ويمكن تعريف الذات بأنها نظام معقد تتضمن أربعة مستويات وهي الجزيئية، والعصبية، والنفسية والاجتماعية، وبما أن الذات هي سلوك الفرد، فهي تعتمد على العوامل الفطرية المكتسبة، بالإضافة إلى توقعات الآخرين، لذلك على الفرد أن يفهم نفسه ويعرف عنها آخذاً بعين الاعتبار المستوى الاجتماعي، وليس فقط المستويات العصبية والنفسية، ولذلك تعتبر الذات مفهوماً معقداً.
وللذات دور كبير في تفسير سلوك الفرد اليومي، كما لها دور كبير في تحفيز وتنظيم سلوكه، وهي مجموعة من المعلومات المتنوعة التي تصف الفرد، وتتكون من جزأين، أحدهما يخص الفرد نفسه، في حين يتعلق الجزء الآخر بالمجتمع أو ما يعرفه الأفراد عن الشخص نفسه، وقد جاءت تعريفات أخرى للذات، ومنها أنها شخصية الفرد وسلوكه الذي من شأنه الكشف عن حقيقته، وأنه اتحاد لمجموعة من العناصر وهي الجسم، والعواطف، والأفكار والأحاسيس، وهي ميزة لكل شخص وتعبر عن هويته، والذات هي جزء من الشخصية، وهي التي تميز كل فرد عن غيره وتجعله مختلفاً.
تعريف مفهوم الذات
تعددت التعريفات التي تناولت مفهوم الذات ومنها:
- تعريف روجرز: فقد عرف مفهوم الذات بأنه تنظيم عقلي ومعرفي، ومجموعة قيم ومفاهيم ترتبط بالفرد وتعتبر سمة من سماته.
- تعريف هولتر: وقد عرف مفهوم الذات بأنه الطرق التي يستخدمها الفرد للتعريف بها عن نفسه أمام الأفراد.
- تعريف لابين وجرين: يعرف لابين وجرين مفهوم الذات على أنه تقييم الشخص لنفسه، من حيث مظهره، وخلفيته وأصوله، بالإضافة إلى قدراته واتجاهاته ومشاعره.
- تعريف العنزي: أما العنزي فيرى أن مفهوم الذات ليس بعداً شخصياً، إنما هو عملية بناء متنوعة ومتغيرة للنفس تعتمد على عدد هائل من الاعتقادات التي تكونت وتراكمت من خبرات الفرد في مختلف مواقف الحياة.
- كما تم تعريف مفهوم الذات بأنه تكوين معرفي منظم للتقيمات والتطورات الخاصة بذات الفرد والتي تعتبر تعريفاً نفسياً لذاته، كما أنه الجانب المنظم من جوانب الشخص، والتي تستقبل حولها مجموعة من النشاطات التي من هدفها تحقيق كمال الإنسان، حيث تزوده هذه المبادئ بالوحدة والاستقرار، وهما هدف الفرد في حياته.
مفهوم الذات في الفلسفة
تنظر الفلسفة القديمة إلى الذات على أنها الإرادة والإدراك للخير والشر، فالفلاسفة الشرقيون مثل بوذا، وكونفشيوس وديالي، يصفون الذات بأنها إرادة الفرد للعيش والبقاء في الحياة، كما أنهم يربطونها بقهر اللذة من غير ألم، بمعنى منع النفس عن الرغبات، والسيطرة على النفس وعدم تعويدها على شيء ما، مما يقود إلى الوحدة النفسية والجسدية، ويتوافق الفلاسفة الهنود في تعريفهم للذات مع الفلاسفة الشرقيين، والتي يطلق عليها الفلسفة البراهمية.
حيث إنهم يقسمون آلهتهم إلى ثلاثة أقسام، وهي براهما يقصد به الذات الكبرى، وشيفا الراقص الكوني وهو المسؤول عن تحقيق الذات، وفشنو الذي يجعل الذات المتدفقة ضمن الفعل الإنساني، وبالتالي وحسب فلسفتهم يجب أن يتصف الإنسان بالهدوء، والصبر، والصلابة والكبرياء، ويتفق الصينيون مع الهنود في نظرتهم للذات، وكذلك الفسلفة اليابانية والمتمثلة في البوشيدو، ويضيفون أيضاً إلى ذلك المثابرة، والعمل والشجاعة، وبالتالي فإن الذات عند فلاسفة الشرق الأوسط تتمثل في البساطة، والصدق والسذاجة. والذات عند الفلاسفة الإغريق لها مفاهيم عديدة، ومن أهم فلاسفة الإغريق سقراط، وأفلاطون وطاليس، وفيما يأتي نبذة عن تعريف كل منهم للذات:
الذات عند سقراط
اشتهر سقراط بعبارة اعرف نفسك بنفسك، وهي إشارة إلى النفس، والتي هي عند سقراط عبارة عن خليط من أربعة أشياء: الصفراوي، والدموي، والبلغمي والناري، ويعتبِر سقراط الذات المحرك للكون والوجود، وأنها شيء لا متناهٍ، وأن الإنسان مزيج من قدرات وملكات شخصية، وأنه بامتلاكه للعقل يمكنه التحليل وبناء المنطق، وقد عرّف الذات على أنها الوعي والإدراك الحسي الذي يأتي من البحث وراء مسببات الأشياء، والوجود.
وبالتالي فإن الحياة قائمة على البحث، والتفكير والمعرفة التي تُكوّن الوعي والإرادة وينتج عن ذلك وجود يسمى بالذات، ويبرهن سقراط رأيه من خلال سيطرة الإنسان على الطبيعة، والطبع والسلوك، ورأى سقراط الذات على أنها إرادة، وعلم وحكمة، والقدرة على إنتاج حلول ضمن المنطق، وهوية الفرد، وقدرة الشخص على التميز بين الخير والشر والتعامل معهما.
الذات عند أفلاطون
تميزت نظرة أفلاطون للذات بثلاثة أمور، وهي:
- العالم المثل، بمعنى أن هناك نموذجاً تقوم عليه الحياة والوجود.
- عالم الموجدات الذهني، وهو عقل الإنسان، وعن طريقه تتم معرفة الحياة والإدراك.
- عالم المحسوسات، ويقصد به الانطباعات عن العالم المثالي.
- ويجدر الذكر أن أفلاطون قد اعتمد في نظريته وتفسيره للذات على المثال، وهو بذلك ينفي قدرة الإنسان على الابتكار والإبداع، كما أنه يرى أن القدرة ليست من صفات أغلب البشر وإنما هي مقتصرة على الفضلاء من الناس فقط، وهذا ما يفسر ظهور مفهوم المدينة الفاضلة في فلسفة أفلاطون.
الذات عند أرسطو
أما أرسطو فقد استند إلى الصورة والمظهر في تشكيل صورته عن الذات، فقد عرّفها بأنها إدراك العقل للواقع ومن ثم تحويله إلى تجربة ملموسة من خلال الممارسات اليومية للأمور التي يدركها العقل والتي تشكل بدورها العقل الفاعل، والذي يعتبر هو نفسه الذات الإنسانية في أبهى صورة لها.
تعريف الذات في الفلسفة المعاصرة
تعرّف نظريات الذات المعاصرة الذات بأنها تصرفات الإنسان في مختلف مجالات حياته، ومشاعره، ورغباته ووجوده، وإن الذات الإنسانية في نمو متواصل ضمن المحيط الظاهري، ويتم تصنيف الدراسات المعاصرة في الذات إلى ثلاثة أنماط وهي:
- الذات الواقعية: وهي تلك الانطباعات التي يكوّنها الآخرون عن الفرد، وهي متغيرة وغير ثابتة، وذلك بسبب العوامل المحيطة بالفرد نفسه مثل البيئة، ومزاج الشخص والمحيط.
- الذات المثالية: هي نظرة الإنسان لنفسه، وصورته حسب ما يراه الآخرون ضمن شروط يضعها الفرد لنفسه؛ مثل الأحداث اليومية، والمعاشرة الاجتماعية.
- الذات الخاصة: وهي معرفة الإنسان لنفسه بعيداً عن الواقع الموضوعي، وهي كذلك ردود أفعال الفرد التي تشتمل على تطلعاته ورغباته، كما أنها الطريقة التي ينظر بها الإنسان لنفسه في أوقات انفعاله، وهي جميع الخبرات التي يمر بها الإنسان في حياته وطريقة تعامله معها والاستفادة منها، مثل الإحباط، والتوتر، والملل، والفشل.
تقدير الذات
يشير تقدير الذات إلى مدى حب الفرد لنفسه ودرجة تقديره لها، وعليه فهناك درجتان أو نوعان من تقدير الذات وهما التقدير المرتفع، وهو نظرة الفرد الإيجابية لنفسه وذاته، ومن ميزات الشخص الذي يمتلك هذه الدرجة من التقدير أن لديه ثقة عالية بما يمتلكه من قدرات، لا يقلق بشأن ما يفكر به الآخرون عنه، ولديه توقعات إيجابية حول مستقبله، أما التقدير المتدني، فهو نظرة الفرد السلبية تجاه ذاته، وصاحب هذا النوع لديه ضعف في ثقته بنفسه، كما أنه يحتاج إلى الآخرين، ولديه تشاؤم حول المستقبل، وقلق حول تفكير الآخرين به.
وهناك عدة طرق لقياس تقدير الذات ، إحداها قائمة هيريل، وهي عبارة عن مقياس يتكون من 15 عبارة، كما يوجد اختبار لفهم الموضوع وهو عبارة عن صور كرتونية تُقدّم للمشتركين، ويُطلب منهم تأليف قصة حولها، وقد أُجريت تجربة في عام 1970م وأعتبرت من أهم الدراسات النفسية التي تهتم بتقدير الذات، وأظهرت نتائجها أن الخوف والقلق من الأمور التي تعمل على تغير تقدير الفرد لذاته، حيث تم إخضاع المشاركين لتجربة التقدم لوظيفة، وتركهم في الصالة يجلسون مع شخص أنيق ونظيف يرتدي بدلة ويحمل حقيبة، وشخص آخر غير مرتب ونظيف ويرتدي بنطال جينز قديماً.
وكانت النتيجة أن المشاركين يزداد تقديرهم لذاتهم مع الشخص غير الأنيق والنظيف، ويقل عند وجودهم مع الشخص الأنيق والنظيف، وهذا يدل على أن تقدير الذات يتأثر بمكانة الأفراد الذين نتعامل معهم وحالتهم المادية والمعرفية، ومن خلال هذه التجارب وغيرها وجد أن هناك أربعة عوامل تؤثر في تقدير الذات وهي:
- رد فعل الآخرين: فإذا لقي الشخص الحب والانتباه من الأشخاص يزيد تقديره لذاته، أما إذا واجه التجنب والإهمال فإنه سيطور تقديره السلبي لذاته.
- المقارنة مع الآخرين: حيث يقل تقدير الشخص لذاته عند مقارنة نفسه مع أشخاص أكثر أهمية ونجاحاً منه.
- الأدوار الاجتماعية: فالأدوار الاجتماعية الناجحة، مثل الطبيب، والمهندس والمعلم وغيرها، تعد من الأدوار التي تحمل سمعة جيدة والتي تجعل الفرد يقدر ذاته بشكل إيجابي، أما الأدوار الاجتماعية مثل السجين والمريض نفسياً، تعطي الفرد تقديراً سلبياً نحو ذاته.
- تحديد الهوية: تؤثر الهوية وانتماءات الفرد في تقديره لذاته، مثل انتمائه لجماعات معينة مثل فريق رياضي، أو عرق معين، فإذا كانت الجماعة التي ينتمي إليها الفرد محبوبة ومرغوباً بها، أدى ذلك إلى شعوره بالإيجابية، أما إذا كانت متدنية فإن ذلك يؤدي إلى الشعور بالسلبية.