تعريف الإيقاع في الشعر
ما هو إيقاع الشعر؟
لا يوجد في الاصطلاح تعريف جامع للإيقاع؛ حيث عرّف كل ناقد أو كل أديب من وجهة نظره متفقين في بعض الأمور مختلفين في غيرها، وقد تناول ابن طباطبا الإيقاع في قوله: "إنّ للشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه"، فارتبط الإيقاع عند ابن طباطبا باعتدال الوزن وصواب المعنى.
إنّ الإيقاع عنده هو الوزن لا يتعدى إلى غيره، واستعمل القدماء لفظة الوزن بديلًا عن الإيقاع، وهو ما فعله القرطاجني عند حديثه عن الإيقاع، أمّا في العصر الحديث فقد أوضحوا تعريف الإيقاع على أنّه التتابع والتواتر ما بين حالتي الصمت والكلام؛ حيث تتراكب الأصوات مع الألفاظ والانتقال ما بين الخفة والثقل ليخلقا معًا فضاء الجمال.
بمعنى آخر إنّ الإيقاع غير مختص عند الحداثيين بالشعر، بل هو عامل مشترك ما بين الشعر والنثر على حد سواء.
ذكر الأستاذ السيد البحراوي تعريفًا للإيقاع قال فيه: إنّ الإيقاع هو تتابع للأحداث الصوتية في الزمن؛ حيث يكون على مسافة زمنية متساوية أو حتى متجاوبة؛ أي أنّ الإيقاع هو تنظيم لأصوات اللغة، وهو أكبر من الوزن؛ حيث إنّه يشمل البنية العروضية والبنية الصوتية والتركيبية.
مكونات الإيقاع في الشعر
إنّ الإيقاع الشعري يتألف من مكونين رئيسين وهما كالآتي:
الإيقاع الداخلي
الإيقاع الداخلي هو الموسيقى الداخلية للقصيدة نفسها، وهي تحوي على أدق خلجات النفس التي يرسلها الشاعر إلى المتلقي بصورة انسيابية سهلة، تجعل من عالمهما واحدًا عن طريق الكلمات.
عرّفه عبد الرحمن الوجي بأنّه: "ذلك الإيقاع الهامس الذي يصدر عن الكلمة الواحدة بما تحمل في تأليفها من صدى ووقع حسن، وبما لها من رهافة ودقة تأليف وانسجام حروف"، وللإيقاع الداخلي مجموعة من الأقسام، أبرزها ما يأتي:
- التكرار
حيث إنّ للتكرار مجموعة من الوظائف من أبرزها لفت الانتباه والتأكيد على المعنى ونحو ذلك، وقد استعمل هذا الأسلوب عدد من الشعراء من بينهم إيلينا أبو ماضي؛ إذ كرر لفظة البحر في قوله::أَيُّها البَحرُ أَتَدري كَم مَضَت أَلفٌ عَلَيكا
:وَهَلِ الشاطِئُ يَدري أَنَّهُ جاثٍ لَدَيكا
:وَهَلِ الأَنهارُ تَدري أَنَّها مِنكَ إِلَيكا
:ما الَّذي الأَمواجُ قالَت حينَ ثارَت لَستُ أَدري
:أَنتَ يا بَحرُ أَسيرٌ آهِ ما أَعظَمَ أَسرَك
- الموازنة
الموازنة يعني أن يكون البيت متعادلًا في الأوزان والألفاظ، وقد أتى كثير من الشعراء على هذا اللون من ألوان الإيقاع، وقد أتى امرؤ القيس على هذا اللون في قوله:مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا
:::كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
الإيقاع الخارجي
إنّ الإيقاع الخارجي هو العروض والقافية، وقد ذكر عبد المالك المرتاض في ذلك أنّ الإيقاع الخارجي قديم في الشعر قدم قوله؛ أي أنّه موجود من قبل أن تأتي الدراسات النقدية على الحديث عنه، ويُقسم الإيقاع الخارجي إلى قسمين رئيسين هما: الوزن والقافية، وتفصيلهما فيما يأتي:
- الوزن
الوزن هو سلسلة من المتحركات والسواكن التي تتجزأ إلى مستويات مختلفة مثل: الشطران، والتفاعيل، والأوتاد، والأسباب، والوزن هو تفعيلات البيت الشعري ، ولا تقتصر وظيفة الوزن على الجمال فقط، بل له وظيفة تعليمية موسيقية، ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر معروف الرصافي:أيها القوم مالكم في جمود
:::أو ما يَستفِزّكم تَفنيدي
كلما قد هززتكم لنُهوض
:::عدت منكم بقَسوة الجُلمود
طال عَتبي على الحوادث فيكم
:::مثلما طال مطلها بالوُعود
فمتى سعيُكم وماذا التَواني
:::وإلى كم أُحثّكم بالنشيد
- القافية
اختلف النقاد في تعريف القافية ، فاختار الأخفش أنّها آخر كلمة من كل بيت، بينما ذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى أنّها آخر ساكنين في آخر البيت مع ما بينهما من الحروف، ومن الأمثلة على القافية قول الشاعر أحمد شوقي:أمسى وأصبح من نجواك في كلف
:::حتى ليعشق نطقي فيك إصغائي
الليل يُنهضني من حيث يقعدني
:::والنجم يملأ لي والنور صهباني
خصائص الإيقاع في الشعر
هناك مجموعة من الخصائص للإيقاع في الشعر، ولعل من أبرزها ما يأتي:
- الانتظام في الإيقاع يخالف الانتظام في الوزن الخارجي؛ حيث لا يخضع الإيقاع للقاعدة الحتمية التي يخضع لها الوزن الخارجي، بمعنى آخر إنّ الإيقاع هو روح الوزن، ومن خلاله يُمكن الوصول إلى عبق الجمال.
- الإيقاع يستنهض ثقافة القارئ؛ حيث يقف على مكنونات القصيدة وروحها الداخلية، مسلطًا الضوء على أيقونة الخطاب ما بين القارئ والقائل.
- الإيقاع هو الانسجام الحقيقي ما بين الألفاظ والمسموعات اللتان تؤديان معًا إلى تحقيق الغاية التركيبية التي تؤدي إلى الوصول إلى غاية البلاغة والبيان، ولا بدّ للقارئ في هذه الحالة من أن يكون على قدر من التأويل.
- تفاضُل الشعراء في الإيقاع؛ حيث يغدو للفظة عند أحدهم فضلًا عليها في قصيدة أخرى، حيث يتمكن الشاعر من الوصول إلى أعماق المتلقي من خلال انسجام تلك اللفظة مع غيرها.
أبرز الآراء النقدية حول الإيقاع في الشعر
ترددت مجموعة من الآراء النقدية حول فكرة الإيقاع في الشعر، ولعل من أبرزها ما يأتي:
- أحمد بن فارس
"إن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنغم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة".
- إبراهيم أنيس
"إنّ العنصر الثالث من عناصر الموسيقى في الشعر العربي هو ما أطلق عليه مصطلح الإيقاع، وهو العنصر الموسيقي الهام الذي يفرق بين توالي المقاطع".
- محمد مندور
"الإيقاع موجود في النثر والشعر لأنّه يتولد عن رجوع ظاهرة صوتية".
أهمية الإيقاع في الشعر
إنّ للإيقاع أهمية كبيرة في الشعر ويبرز ذلك من خلال ما يأتي:
- يصبح المعنى أقرب إلى النفس التي تميل إلى كلّ ما هو منمق وجميل.
- يؤدي إلى انسجام واضح للمعاني بين بعضها بعضًا، فيخلق فضاء رحبًا يُمكن القارئ من التوسع في الفهم والإجادة به.
- يتطلب المعنى الحقيقي موسيقى خاصة به، تبرز جماله وتتنوع ما بين داخلية وأخرى خارجية؛ أي أنّ موسيقى الشعر هي التي تمكن اللفظة من الوصول إلى تلك المعاني.