تعبير كتابي عن أهمية العمل (لطلاب الإعدادي)
بالعمل تحيا النعم
إنَّ العمل من أعظم القيم التي اتفقت الشَّرائع السَّماوية جميعها على تمجيده والرَّفع من قيمته، فقد كان لجميع الأنبياء على علوّ مكانتهم في الأرض والسَّماء صنعةً يقتاتون منها، فمنهم من عمل بالنِّجارة مثل نوح عليه السّلام، ومنهم من عمل بالتّجارة ومنهم من عمل بالزِّراعة، ليختتم الرُّسل نبينا محمد عليه الصّلاة والسّلام الذي عمل في رعي الأغنام ومن ثمَّ عمل بالتِّجارة، وقد رفع النَّبي -عليه السّلام- من قيمة العمل والعمّال.
ومن تجليّات نعم العمل البركة في القوت والمال، ففي أحد الأيام جاء صحابيٌّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأله من المال ويعيد ويكرر عليه السّؤال، فقال له عليه الصّلاة والسّلام: "إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى" ، حينها أقسم الصّحابي ألّا يأخذ عطاءً من أحد، فالعمل ينطوي على تلك القيمة الجوهريّة للإنسان وهي أن يسعى في مناكب الأرض كما أمره الله تعالى، إذ منَّ الله -سبحانه وتعالى- على الإنسان بالنِّعم الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تحصى، ومن أجل أن يحافظ الإنسان على هذه النِّعم وعلى رأسها نعمة الصَّحة ، عليه أن يعمل ويكسب الرِّزق الحلال.
وخير كلامٍ نخط به نهاية حديثنا عن قيمة العمل وما يحيي فينا نعمًا منّ الله تعالى علينا المحافظة عليها بالعمل والتّعوذ من الكسل الذي كان دائمًا ما يتعوّذ منه سيد الخلق، ولقد وصلنا عن الصّحابة -رضوان الله عليهم- الكثير من القصص مفادها تبجيل العمل واحترام من يعمل، وعلى رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب فكان إذا رأى شابًا وأعجبه يبادر بالسؤال عنه وعن صنعته التي يعمل بها، فإن لم يكن له صنعة فقد تلك القيمة التي رسمها له الصَّحابي الجليل، وإنْ دلَّ هذا الفعل على شيءٍ فهو يدلُّ على قيمة العمل.
أتقن عملًا تبنِ وطنًا
الوطن هو أغلى ما يملكه الإنسان، وهو الحصن الذي يلجأ إليه إذا ما تاه في خضمِّ هذه الحياة، بل هو الأمُّ التي تجمع أبناءها، إنّ الوطن أمٌّ فعلينا أن نقدم له الغالي والنَّفيس من أجل العمل على بنائه ليكون قامةً شامخةً بين الأمم على مرِّ العصور والأزمان، ومهما كان نوع العمل فإنّه سيساهم في بناء الوطن ورقيّه ما دام شريفًا، ففي أحد الأيام جاء رجلٌ يسأل النّبي عليه السّلام مالًا، فقال عليه الصّلاة والسّلام: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ"، وعلى الرّغم من بساطة هذا العمل إلّا أنّه سيمدّ العون للفرد والمجتمع معًا.
وكي تبن وطنك عليك أن تتقن عملًا لا أن تتعلمه فقط، وذلك لتكون مبدعًا فيه ومتألقا فتطرق باب الاختراع والتَّميز، وقد جاء الإسلام ليحضَّ على قيمة الإنسان الذي يعمل ويتوكل على ربِّ العالمين ليكون بذلك دأبه دأبُ الأنبياء والرسل، فهو يقدم أولًا لأسرته ما تحتاجه من أساسيات، إضافة إلى أنَّه يقدم لوطنه الكثير كونه إنسانًا عاملًا بعيدًا عن الكسل والخمول .
فذاك الطّبيب المبدع سيكون قادرًا على أن يعالج مرضاه وقادرًا على اكتشاف المصل الشَّافي واستخلاصه من سمَّ الأفعى القاتل، ولن ننسى ذاك المهندس الذي سيبني بقلمه وطنًا متماسكًا كما الجدران في بنائه، فهو الأقدر على إظهار وطننا بذاك الثَّوب الحضاري مشوبًا بتلك اللمسة الشَّرقيَّة التي لن يستطيعها أحدٌ إياه، وليكمل عمله زنود البنّاء والنّجار والحدَّاد، أما المعلم فهو من سيبني تلك النُّفوس التي ستنهض بوطنها عاليًا، لهذا ينبغي على كلِّ عاملٍ أن يتقن عمله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكم عملًا أنْ يُتقِنَه"، فمن لا يتقن عمله سيكون يومًا ما سببًا في هدم أحد أساسات المجتمع القويَّة ليهوي الوطن فيما بعد في جرف الضياع والإهمال والدّمار.
العمل يكفيك السؤال
التَّسول من أخطر الأمراض الفتَّاكة التي تنهش عضد المجتمع وتنأى به عن منافسة بقيَّة الدُّول، وقد حارب الإسلام هذه الظَّاهرة بقوة وبلا هوادة، وأولى الطُّرق التي حارب بها التَّسول، أنه حرّم سؤال النّاس حاجاتهم واستعطافهم، وأكّد على العمل لأنَّه يحفظ ويصون كرامة الإنسان من ذلّ السّؤال، فقد قال الرَّسول عليه الصّلاة والسّلام: اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، فَاليَدُ العُلْيَا: هي المُنْفِقَةُ، والسُّفْلَى: هي السَّائِلَةُ"، وبهذا يكون الإسلام قد حضّ على اليد التي تُعطي وتنفق وذمَّ اليد التي تأخذ وتسأل النّاس، والعمل عبادة يتقرَّب بها العبد إلى ربِّه طالما كانت ضمن إطار الحلال ومن أجل كفاية العبد لأهله وأسرته.
وبهذا الصدد نقول لمن امتهن التسول بحجة توكله على الله -سبحانه وتعالى- إنّ سلوكه هذا بعيد كل البعد عن التوكل فهو متواكلٌ ومتقاعسٌ، فشرط التّوكل هو السَّعي في مناكب الأرض والضَّرب والعمل فيها، فقد قال تعالى في محكم تنزيله في سورة الملك: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} ، فلا يغيب عن أذهاننا ذاك الرَّجل الذي كان يجلس في المسجد داعيًا الله أن يبعث له الرِّزق، فنهره عليه الصّلاة والسّلام عن هذا العمل، وأخبره أن السَّماء لا تمطر ذهبًا ولا فضًةً بل عليه العمل من أجل سدِّ حاجته ومن ثمّ التَّوكل على الله ، كذاك الطير الذي يطير بحثًا عن رزقه من غير هداية أو دليل ولكنّه متوكلٌ على الله فيغدو خماصًا ويعود بطانًا.
العمل جدوى مادية ومعنوية
الاكتئاب والمرض والشُّعور بالعجز والضَّعف كل تلك المشاعر السّلبية القاتلة سببها أمرٌ واحدٌ هو الكسل والوقوع في حضن التَّكاسل واللجوء إلى الدِّعة والرَّاحة ، فالعمل هو تلك القوَّة المعنويّة التي يكتسبها الإنسان من مزاولة أيّ عمل، فعندما يكون الإنسان بلا هدف وبلا عمل سيكون شبح الفراغ متمثِّلًا له بكل موقف من مواقف حياته، وسيقع حينها فريسةً سهلةً في براثن الضياع، وذلك لأنَّ الفراغ سيزين له اقتراف الخطايا والمعاصي، وقد يتطور الأمر لتصبح الجرائم ملاذًا يلجأ إليه ذاك الضَّائع، كما أنَّ العمل سيحقق لك كل ما ترنو إليه نفسك وما تحتاجه، فبذا تكون سلطان نفسك وسيدًا في قومك، فمن قال :إنّ المال قوَّة بين القوم وعزوة بين الأهل ما أخطأ، وقد قال الشّاعر أحد شوقي في تمجيد العمل:
سَعيُ الفَتى في عَيشِهِ عِبادَه
- وَقائِدٌ يَهديهِ لِلسَعادَه
لِأَنَّ بِالسَعيِ يَقومُ الكَونُ
- وَاللَهُ لِلساعينَ نِعمَ العَونُ
فَإِن تَشَأ فَهَذِهِ حِكايَه
- تُعَدُّ في هَذا المَقامِ غايَه
- كانَت بِأَرضٍ نَملَةٌ تَنبالَه
- لَم تَسلُ يَوماً لَذَّةَ البَطالَ
وَاِشتَهَرَت في النَملِ بِالتَقَشُّفِ
- وَاِتَّصَفَت بِالزُهدِ وَالتَصَوُّفِ
إنّ العمل يسهم في صقل شخصيّة الفرد إذ يكون أكثر قدرة على الصّبر وتحمّل المسؤولية، ويزداد صلابة في مجابهة ما يواجهه من صعاب وتحدّيات، كما أنّ العمل يزيد من ثقة الفرد بنفسه، بحيث يجعله متكلمًا فصيحًا ذو خبرةٍ فيما يقول بشكلٍ أفضل؛ وذلك نظرًا لتعامله مع الكثير من المواقف واحتكاكه بالكثير من الأشخاص، كما أنّ الإنسان الذي يعمل سيكون قادرًا على حلِّ مشاكله بشكلٍ واع أكثر ممن لم تصقل الأيام والنّاس خبرته، بل إنّ تصرّفه في مختلف المواقف والظروف سيكون أفضل، وذلك لأنّ العمل يُحكّم عليه التصرف السريع في الحوادث الطارئة، فصدق من قال إنّ العمل يُعلّم الإنسان فنون الحياة بشكلٍ عمليّ ، والتي ينقلها بدوره من عمله إلى أسرته، ومن ثمّ ينشرها بين أفراد مجتمعه ليصبح مجتمعًا قويًّا محكومًا من قبل أفراده الواعيين .أتمنى أن يكون موضوعنا هذا منطلقًا يحفز على تحقيق غاية ما نتمنى من أهداف عليا وغايات سامية .
وها هو سيدنا سليمان عليه السّلام يطلب من الله -تعالى- أن يؤتيه ملكًا لا ينبغي لأحدٍ قبله وبعده، وعلى الرُغم مما أعطاه الله إلّا أنّه كان يعمل، وما عمله إلا نوعٌ من أنواع الشُّكر والحمد على ما آتاه الله وأعطاه، فمن أراد أن يكون له تلك المنعة ضد الكثير من الأمراض النَّفسيَّة أو أن يكون له تلك العزوة والقوة في أهله وبين قومه،. فما عليه إلَّا ان يبحث عن عملٍ يثبت فيه ذاته ويشكر ربه به على ما آتاه من نعم ويسدُّ به حاجته وحاجة أهله، والحمد لله الذي وهبنا قوَّةً نستطيع بها مزاولة المهن والأعمال.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن العمل .