تعبير عن غروب الشمس
تغيب الشمس على استحياءٍ، مودعةً الأفق الجميل، تودعه بلهفةٍ وخجل، وكأنها تريد أن تقول له بأنها لا تطيق الوداع، فتنتشي السماء بحمرة الخجل، وتخبرنا خطوط الشفق الأحمر بمقدار الشوق الذي في قلب الشمس، وكأنها تختصر في لحظة الغروب، كل الشوق الذي في قلوب البشر، فينسحب النور معها، وتبدأ خطوط الظلام بالتسلل نحو الدنيا.
تتشوه الألوان، وتصبح كلها بلونٍ واحدٍ، ووحده لون الغروب يبقى الأنقى والأقرب والأصدق، وحده اللون الذي لم يتغير، ولم يبهت، ولم تطله أية ألوانٍ أخرى، لأنه لونٌ بدبع، صاغته يد الرحمن، ولن تبلغها ريشة أعظم الفنانين.
طالما كان غروب الشمس ملهماً لجميع البشر، خصوصاً الشعراء والفنانين، وكم قيلت فيه القصائد، وكم اختاره العشاق ليعلنوا الحب ويعترفوا به في لحظته، وكم من لحظاتٍ رومانسيةٍ، وأوقاتٍ جميلةٍ كللها غروب الشمس، ففيه تنعكس اللحظات، وتصبح كلها هادئة، ساكنة، وادعة، تليق بهيبة الشمس وجمالها، وكأنها عروسٌ خضبت يديها بالحناء، ثم توارت خلف حجابها.
تنبئنا لحظات الغروب، بأن النهايات أكثر حرارةً من البدايات، وأن ساعات الوداع أكثر حرقةً من ساعات التهليل والاستقبال، فبرودة الشروق بلونه الأصفر، لا تصل لحرارة الغروب الأحمر، ورغم أن الشروق ينبئ بيومٍ جيد، إلا أنّ الغروب يمنحنا السكينة، ويجعلنا نختم اليوم بلحظةٍ ساحرة، خصوصاً إن تزينت السماء وقتها ببعض الغيوم المتناثرة هنا وهناك، لتتلون بلون الشفق، وترتسم أجمل وأروع وأعظم اللوحات الربانية.
الرائع والملفت في جمال غروب الشمس، أن لكلّ مكانٍ يشهد الغروب خصوصية ينفرد بها عن غيره من الأماكن الأخرى، فغروب الشمس على البحر، يعكس اللون الأحمر على صفحة الماء، وتظهر فيه الشمس وكأنها تغرق في عرض البحر، وغروب الشمس بين الجبال، يجعل الشمس تظهر كملكة متوجة، تجر ثوبها الجميل الأحمر وراءها، وكأنها تذهب للنوم.
أما غروب الشمس في الصحراء، فحكايةٌ أخرى من حكايات الجمال، تنعكس في أنوار الغروب على رمال الصحراء، وتجعلها كالذهب الجذاب، فيشعر الناظر وكأن كنزاً عظيماً منثوراً في المدى الواسع.
من أراد أن يشحن روحه، ويثير الشجن والعواطف والأحاسيس في قلبه، فليقف متأملاً لحظة الغروب، وليحاول أن يمعن النظر فيها وهي تلوح بالوداع، وليودعها أسرار قلبه وروحه، ففي هذه اللحظات بالذات، لا بد وأنه سيلتمس مقدار الإلهام الكبير في قلبه، وربما جرت على لسانه كلمات الشعر والغزل، وأصبح متدفق الإحساس، ومرهف العواطف.
قد قيل في الغروب على لسان أحمد عرابي الأحمد:
تأمَّلتُ الغروبَ ففاضَ حِسِّي
- وأسْمعتُ الفؤادَ قصيدَ شمْسِ
أناجيها: ألا يا شمسُ بوحي
- لعلِّي أن أغادِرَ صَمْتَ حبْسي